أثار اقتحام قوات الأمن التونسية مقر قناة “نسمة” لحجز معداتها وقطع بثها جدلا واسعا، اختلط فيه الجانب الحقوقي بالسياسي. وفيما وصفت القناة القرار بالظالم وغير المسبوق ومحاولة لإسكات صوتها المنتقد للحكومة، رأى آخرون أنه إجراء في محله ويأتي تطبيقا للقانون.
حيث كان تدخل القوة العامة استجابة لقرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهايكا) بغلق القناة لبثها دون ترخيص قانونية.
وتباينت مواقف الحقوقيين والمنظمات بين المدافعة عن حقوق التعبير وضرورة تطبيق القانون، وأخرى تساءلت عن الاقتصار على إغلاق قناة نسمة، واستثناء قنوات تلفزيونية أخرى كان يتوقع أن يشملها قرار الإغلاق، بسبب عدم تسوية وضعيتها القانونية، وأوضحت وزارة الداخلية في بيان لها أن الهايكا طلبت حجز تجهيزات البث لا غير.
وخلفت تصريحات رئيس الهايكا، النوري اللجمي انتقادات حادة اعتبرت أن قناة الزيتونة الخاصة هي الأخرى تعمل خارج إطار القانون، وأن “عدم تنفيذ قرار إغلاقها، يعود إلى وجود سند سياسي لها يمنع تنفيذه”، في إشارة إلى حزب حركة النهضة.
واعتبر محللون في الشأن السياسي أن قرار إغلاق قناة نسمة بالقوة هو بمثابة الحرب الباردة بين مالكها نبيل القروي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.
هذا ويُجمع ملاحظون أن قرار إغلاق نسمة يأتي في إطار حرب استباقية بين حافظ قايد السبسي والشاهد
بحيث لم يخرج نبيل القروي من دور المضارب على المصالح والأهداف.
وأكد القروي أن قرار “الهايكا” جاء بسبب عدم رضوخه لإملاءات حزب تحيا تونس المحسوب على الشاهد،
ففي حين يقول القروي أن قناته لها تراخيص وأن الإشكال يتعلق بصيغة تغيير عقد الشركة، يجزم رئيس الهايكا أن نسمة قناة تم سحب الترخيص منها العام الماضي وهي بالتالي قناة خارج القانون
وانقسم النشطاء والمتابعين للحقل
الاعلامي بين مساند لقرار الإغلاق ، وبين رافض لإغلاقها خاصة ممن استفادوا من حملة
التبرعات التي يقدمها القروي للفقراء وهو ماأعتبر استغلال للوضعية الاقتصادية لعدد
من التونسيين بهدف كسب أصوات المحرومين
استعدادا للسباق الانتخابي.
كما تتالت الإتهامات لصاحب القناة بنشر الفوضى وتحريض الناس من خلال دعوة متابعيها للخروج إلى الشارع من كل الجهات.
وانقسم الصحفيون أنفسهم بين متضامنين مع زملائهم ومدافعين عن حرية الإعلام من جهة، وبين مدافعين عن القانون من جهة أخرى، حيث اعتبرت الصحفية بموقع “حقائق أون لاين” مروى الدريدي في تدوينة لها، أنه من غير المعقول أن يستغل القروي العاملين والصحفيين الذين لم تصرف أجورهم وطردهم من العمل، للدفاع عن القناة واستعمالهم دروعا بشرية.
من جهة أخرى، عبر الصحفي أحمد الفريغي عن تضامنه مع زملائه بالقناة، لافتا إلى أن هذا القرار سيؤدي إلى قطع أرزاق أكثر من أربعمئة صحفي، فيما وصفت الصحفية وفاء الطرابلسي، في تدوينة قرار إغلاق القناة بالمفاجئ، في بلد ظن جنوده الإعلاميون أن مكسبه الوحيد الذي تحقق هو حرية التعبير.
وفيما يخص ردود الافعال السياسية فقد دعت حركة النهضة إلى عقد اجتماع استثنائي بدعوة من رئيس الحركة راشد الغنوشي، لمناقشة قرار إغلاق وإيقاف بث القناة وتدارس انعكاساته المحتملة على حرية التعبير، كما استنكر حزب آفاق تونس، والجبهة الشعبية والاتحاد العام التونسي للشغل في بيانات نشروها على مواقعهم الرسمية، قرار إغلاق نسمة بالقوة وحجز المعدات، معبرين عن تضامنهم مع القناة وكل العاملين فيها وخصوصا صحفييها وتقنييها وعائلاتهم الذين سيجدون أنفسهم دون مورد رزق.
واعتبر حزب البديل التونسي المعارض أن اللجوء إلى إغلاق مؤسسة إعلامية وإجلاء إعلامييها وعمالها وموظفيها باستعمال القوة، هو دليل على الفشل الذريع في إدارة الحكومة للشأن السياسي، ومؤشر على أن الوضع السائد اليوم على الساحة السياسية الوطنية ينذر بانزلاقات خطيرة لا تحمد عقباها.
من جهتها، حمّلت نقابة الصحفيين التونسيين نبيل القروي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في القناة، مؤكدة ضرورة إيجاد حلول تضمن احترام القانون وتمنع توظيف هذه الأزمة لأغراض سياسية وانتخابية.
Comments are closed.