قد منح الله لكل نفس مَلَكة وخلق فيه موهبة وتفضّل عليه بميزة تجعل التشابه بينه وبين شخص آخر أمرا يكاد يكون مستحيلا..ولا سبيل لإخراج هذه الملكة من كهفها المظلم إلى نور الحياة إلا بالإيمان بها وإحيائها بقلب متوكل وجوارح عاملة.. وقد تعصف بالنفس محنٌ تكون السبيل الوحيد لإطلاق سراح هذه القدرات التي تفسح المجال للإنسان ليختار إن كان يريد أن يعلو نحو السماء أو أن ينزل حيث الخواء.. ويمكنك أن ترى في بيئة واحدة وفي ظروف متشابهة قدرات متفاوتة على التحدّي والإصرار على التميّز.. وستبدو لك الصورة واضحة المعالم ومشرقة الملامح لأولئك الذين اختاروا أن يكونوا مُضِيفين للحياة لا زائدين عليها.
هي تحمل ملامح امرأة عربيّة حوَت في رحِم النّفس أسئلة تحيّر الكثيرين الذين لايزالون يتخبّطون في جنبات الكسل والتردد والتواكل بدل التوكّل.. لتطلق من ذات الرّحم إجابة لكل الذين لم يستطيعوا الخروج من دائرة التسويف والتحجج الزائف لتقول بكل بساطة لا تتوَاكلْ فتتآكل.. وتقدّم مجموعة من الخيوط التي لربّما تساعد هؤلاء على جمع شتاتهم واحتواء مواهبهم الخفيّة.
:نقتفي نحن الجالية نيوز خيطا رقيقا من خيوط التحدّي للكاتبة الأردنية نداء أبو الربّ والتي كان لنا معها الحوار الآتي
نداء أبو الرب ما نعرفه عنها أنها كاتبة تعيش تجربة الغربة وفي الآن نفسه هي أم وناجحة كمهندسة ما الذي يمكن أن تضيفيه لنا؟-
تجربة الغربة في حدّ ذاتها تعتبر إضافة مميزة ومدرسة أخرى ساهمت بشكل كبير في صقل شخصيتي.. التحديات التي تواجه امرأة طموحة في الغربة وهي أمّ عاملة في آن واحد ليست بالأمر الهيّن أبدا.. ليس لديّ أحد لأعتمد عليه هنا سوى الله لا أمّ ولا أخت يقدّمان لي يد المساعدة لتربية أطفالي فمثلا حينما أشرع في كتابة عمل أدبيّ أو حضور معرض كتاب أو أمسية ثقافيّة أواجه تحديا كبيرا في التوفيق بين كل هذه الأشياء.. أعظم إضافة يمكنني أن أهديها لغيري بناء على ما واجهته من تحديات هو الثقة بالنفس.. وضع الكسل جانبا والعمل بجدية والتوكل على الله.. حينها فقط يصبح للنجاح لذّة خاصة..
أنا اتحدث مع نداء الكاتبة والمهندسة والأمّ لو سألتك عن ترتيب هذه المهام ماهي أولوية الأولويات بالنسبة لك؟-
ترتيب الأولويّات هو السبب الأول للنجاح لذلك أنا أعطي الأولوية لأطفالي دائما.. السبب الرئيسي أنني اخترت أن أنجبهم بكل حبّ وبكامل قناعتي ورضاي ولم يجبرني أحد على هذا الأمر لذلك لا أستطيع بعد إنجابهم أن أتذرّع برغبتي في النّجاح والوصول لما أريد فأهملهم ولا أعطيهم حقّهم.. لقد اخترت أن أنجبهم أولا فأي خطوة سأتخذها لاحقا لا يجب أن تكون على حسابهم.
كتابك دهاليز هو مجال يبتعد كل البعد عن الهندسة فأين الخيط الرابط الذي تملكه نداء بين الإبداع الهندسي والإبداع الكتابي؟-
أجمل ما تعلمه دراسة الهندسة لصاحبها هو التفكير خارج الصندوق.. أن تمتلك حسّا هندسيّا في التعامل مع مجريات الأمور من حولك.. وهذا الأمر عامل نجاح في الكتابة فتفكيرك خارج الصندوق وأنت تكتب نصّا معيّنا أو مقالة معيّنة يعني أنّك ستقدّم للقارئ وجبة دسمة من الإبداع والمواضيع غير المملة والمكررة..
– المهاجر يعيش نمط حياة معين في بلده ثمّ لسبب من الأسباب يجد نفسه في نمط آخر غريب عنه وقد علمنا نحن الجالية نيوز من خلال حواراتنا مع أفراد من الجالية عن التحديات التي يواجهها المهاجر العربي في الغرب فما نوعية التحديات التي يواجهها العربي في بلد عربيّ؟
التحدّيات بالتأكيد في بلد عربي أقل حدّة وذلك لأنّ البيئة العربية وإن اختلفت في جوانب وتفاصيل كثيرة إلا أنّها تتشابه في أمور عدة.
بالنسبة لصاحب موهبة أو رسالة يعنيه كثيرا جانب الغربة في بلد عربيّ إذ أنّ الفئة التي ستتفاعل معه من العرب ستكون كبيرة وخاصّة الكاتب معظم من سيقرؤون له من العرب خاصة إن لم يكن ممن يكتبون بلغة أخرى.. فقربه من القرّاء العرب ومحيطهم سيساعده على الوصول.. بالنسبة لمواهب أخرى مثل صناعة الأفلام والإخراج وغيرها ربّما هنالك فائدة مرجوّة من الاغتراب وقتها في بلاد غربيّة كونها رائدة في هذا المجال.
كتاب دهاليز لمن لم يقرأه ماذا يمكنك أن تقولي عنه ؟-
“دهاليز” وإن كانت شهادتي فيه مجروحة هو سلسلة من النّصوص التي لم تُكتب عبثا.. صالحة للاستخدام والاستفادة منها في كلّ زمان ومكان.. وأجمل التعليقات التي وصلتنب من قرّاء أنّهم يعتبرون كتاب دهاليز دستور حياة يذكرهم بقوانين “حمورابي”.
هنالك الكثير من الطاقات والكفاءات في المهجر الذين يمكنهم أن يشاركوا بالكلمة عن قصصهم وخواطرهم ولكن لشح في الرغبة على الإقبال على الكتابة أو ربما لضيق وقت وأحيانا -يكون الكسل أو التردد سببا فماهي رسالتك لمن يملك طاقة الكتابة ولا يبادر بها لسبب من الأسباب التي ذكرت فيما سبق؟
رسالتي لهم هي أنّ الحياة قصيرة جدّا ولا مجال فيها للتأجيل.. كلّ من يمتلك موهبة معيّنة ولا يستثمرها يندم ندما عظيما فيما بعد على تفريطه..هو قرار يتّخذه الإنسان في لحظة نضوج و وعي يكون بعدها قادرا على استغلال موهبته كما يجب.. من يعشق الكتابة يجب أن يكتب ومن يهوى الرّسم يجب أن يرسم.. فالقبور لا تتّسع لجمال مواهبنا إذا دُفِنت.
حوار نسرين بكّارة
Comments are closed.