على الإنسان أن يُقر أنّه لا يعلم حقيقة من هو أو بالأحرى طالما هو موجود على هذه الأرض فهو يخوض معارك اكتشاف ذاته التي تحمل بين ثناياها قدرات ومواهب وقوى داخلية قد لا يعلم صاحبها نفسه أنّه يملكها.. فهي كصخرة تحتوي في داخلها تمثالا لم يتمّ نقشه بعد ولكنّه موجود.
هكذا هم البعض مواهبهم مكنونة ما إن بدأت تبحث عنها حتّى تبهرك بتفاصيلها العميقة وقد تبدُ عليهم ملامح البساطة ولكن هم الذين ترى عمقهم هذا حين يتكلمون.
إيمان بن إسماعيل.. هذه المرأة القوية في جمال والجميلة في قوة.. امرأة لم تأخذ دورات لتتمكن من أن تمسك المايكروفون وتقف في مكان مفتوح لما يقارب 16000 من أفراد الجالية في كندا لتقدم لهم طبقا من رائحة الوطن الذي يفتقدونه. وكل ما في الأمر أنّها أحبّت المايكروفون فأحبها وأحبت جمهورها فبادلها العطاء وأبت إلا أن ترى حُبّها للتنشيط ودخول بوابة الإعلام دُرّة من حقها أن ترى النور وأن يراها أفراد الجاليات بكندا بكل جنسياتها وألوانها واختلاف عقائدها وعاداتها وتاريخها جامعة لهم في مكان واحد تحت ظلّ إنسانيّ قبل كل شيء.
تنشّط إيمان مهرجان الياسمين السنوي بكندا للمرّة الثالثة على التوالي وللمرة الثالثة لم تسلّط كاميرا الإعلام الضوء على هذه الموهبة وما قدمته من مجهودات ليكون هذا المهرجان بالصورة التي تمناها أفراد الجالية التونسية والمغربية والجزائرية وكل من حضر هذا المهرجان.. اقتفينا نحن الجالية نيوزعطاء إيمان وأبينا إلا أن نأخذ جزءا من نجمها الساطع ونقدمه لكم في حُلّته الصادقة والجميلة فكان لنا مع إيمان الحوار الآتي
الشعب التونسي كان ينتظر علاء الشابي لتنشيط مهرجان الياسمين لهذا العام فظهرت إيمان بن إسماعيل.. هل لنا أن نعرف من هي إيمان؟-
قبل كُلّ شيء أريد أن أوضح مسألة تنشيط المهرجان.. هذه المرة الثالثة التي أنشط فيها مهرجان الياسمين ففي عام 2015 تقاسمنا أنا ونور الدين الصالحي التنشيط حيث قدم كل منّا جزءا و في سنة 2017 نشطنا المهرجان أنا وعلاء الشابي الذي قدم الجزء الثاني وتكفلت أنا بتقديم الجزء الأول. اختلف الأمر هذه السنة إذ منعت ظروف علاء الشابي والذي يحبه الجمهور الجزائري خاصة من الحضور وتنشيط المهرجان فطبعا قمت أنا بأخذ الدورين وتنشيط الجزء الأول والثاني.
أتيت إلى كندا منذ عام 2001 وفق قانون الالتحاق العائلي كانت أمي هنا في كندا قبل الالتحاق. متزوجة ولدي طفلين 8 و9 سنوات أعمل موظفة إدارية تابعة لوزارة الصحة كما أني طالبة في اختصاص التصرف في الخدمات الصحية والاجتماعية.
بدأت تجربتك في التنشيط مع مهرجان الياسمين.. فكيف عشتِ هذه التجربة كبداية طريق بالنسبة لك؟ وهل لكِ أن تحدثينا من أيّ منطلق كانت هذه التجربة؟-
في الحقيقة التنشيط بالنسبة لي هواية أحبّها جدا وهي موجودة في قلبي أولا ولولا أنّها وليدة قلبي لما ظهرت للجمهور فغالبا الإنسان إن مارس ما في قلبه أبدع فيه.. كانت “السوشيل ميديا” ومواقع التواصل الاجتماعي أول محطة انطلاق لي حيث بدأت بتصوير فيديوهات تكلمت فيها عن عنصرية اللون وعن حوادث عدة التي عانى منها أصحاب البشرة السمراء وهذا في حد ذاته قد يحتاج جلسة بكاملها للحديث عنه.. المهم بعد أن بدأت أنشر هذه الفيديوهات على الفيسبوك وعلى قناتي يوتيوب اقترح علي أحد المقربين مشروع “راديو واب تونس” عملنا على فقرات لأجل الجالية ولكن كنا نحتاج لدعم مادي لنستطيع إنجاح المشروع وتوقفنا لأننا لم نتمكن من توفير مبرمج للفقرات. ثم خضت تجربة العمل مع راديو “إيموريال آفريكان” وهي جريدة وراديو في وقت واحد قمت معهم بفقرات عرفت من خلالها بالجالية المغربية وتنقلت للتحدث مع الجالية في كندا.. لكن الوضعية كانت معقدة أيضا.. جاء المهرجان فتوقفت عن العمل ولكني كنت أيضا غير راضية عن العمل على فقرات تخص الجالية المغربية فقط أردت أن أوسع الأمر ليشمل كل الجاليات بكندا وأنا أعمل على تطوير هذا حاليا. كذلك عملت على سهرتين منهما سهرة العيد في “تون إيزي إفنتس” مع نور الدين صالحي في راديو “ميديا مغرب” كل هذه التجارب ساعدتني لأتمرس أكثر في مجال التنشيط مع أنه بعيد عن مجال دراستي.
بعد العرض هل تلقيت اتصالات من قبل المنظمين وهل يمكننا القول أنك المنشط الرسمي لمهرجان الياسمين؟-
لم أتلقّ إلى حدّ الآن أي اتصالات من منظمين في الحقيقة. أمّا عن تنشيط مهرجان الياسمين فلا يمكنني القول أني المنشطة الرسمية له فلا ندري قد تتغير أشياء كثيرة في السنة القادمة قد يكون هنالك رؤى أخرى. لذا لا أجزم من سينشط المهرجان في السنة القادمة.
-إيمان تحدثت خلال فيديوهات عدة لك على مواقع التواصل الاجتماعي عن قضية العنصرية والتمييز في اللون والتي يعاني منها التونسيون في تونس. هل تعرضت لأي نوع من التمييز خلال تواجدك في كندا وعملك هناك؟
يمكنني أن أقول أني جمعت بين العروبة والبشرة السمراء فأنا لا أنسى أني إيمان بن إسماعيل قبل كل شيء والعنصرية هنا قد تلاحظها حتى في نظرة ولكن يتمّ دائما رمي الغطاء عليها لإخفائها وفي الحقيقة لم أتعرض لمضايقات بشكل مباشر خاصة أني أعمل في إدارة حكومية وهذا يكون دائما أفضل وأكثر أمانا من العمل في الشركات الخاصة وعموما الوجه الإيجابي موجود دائما فالكثير هنا يلاحظون كفاءتي في العمل ونشاطاتي وتحركاتي فيغيرون أفكارهم التي أورثها إياهم الإعلام وهنالك أيضا من يصر على فكرة التعصب والعنصرية مهما لاحظ من عطاء تقدمه ولكن باختصار الاندماج ممكن ولا تخلو الحياة هنا من الوجوه الطيبة.
أخيرا إيمان أنت امرأة متزوجة ولديك طفلين مسؤولة عن عائلة وعمل ودراسة ونشاطات هنا وهنالك وهذا في حد ذاته رسالة للكثيرات اللاتي تستصعبن كل هذه المهام.. كلمة لهنّ-
أقول لهنّ من أراد فإنّه يستطيع ومادام للإنسان طاقة فليس عليه أن يتراجع عن العطاء. الأمر ليس سهلا طبعا لكنه ليس مستحيلا.. أنا أرفض فكرة أن تكون المرأة فقط للبيت والإنجاب فلديها أيضا أحلام أخرى وطموحات ليس عليها التخلي عنها ولا نهاية للبذل والعطاء مع حفظ حقوق الجميع طبعا.
حوار نسرين بكّارة