testata
Ad
Ad
شخصية الأسبوع

ألمانيا : المهندسة سماح بالحاج سعد..المرأة التي تستفيض عطاء..أنا عربية و ألمانيا منحتني الكثير

Google+ Pinterest LinkedIn Tumblr

على قدر أهل العزم  تأتِي العزائم وتأتِي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم.

هكذا هم.. قد يمر المرء منهم بجانبك ولا تعبئ به وقد يكلمك ولا تكترث إليه وقد يجالسك محادثا إياك في لطف دون أن تعيره أدنى اهتمام.

نخاطب الناس لنأخذ من يومهم عبرة ومن أمسهم خبرة.. تواقون للأفضل باحثون عن الأغرب مقتدون بالأنفع.

خير الناس أنفعهم للناس.. قلة هم أم كثرة لا يهم.. لكنهم موجودون.. وقد زادت رغبتهم في الاختلاف وإصرارهم على الابتعاد عن الطريق الذي يسلكه الجميع من قيمة أمكنتهم في هذه الحياة.. قد تبقى في بلدك أو تهاجر ولكنّ الأهم أن تكون كالغيث  أينما نزل نفع.. هكذا التقيناها.. لأول وهلة تبدو لك سماح وأنت تراها منشغلة بين العمل والبيت والبذل والعطاء للناس بالمقارنة مع غيرها كالوردة اليافعة في الربيع  والوردة الصناعية  فلا فرق بينهما من حيث المنظر ولكن متى اقتربت من الأولى لامستْ آثارُ عبيرها الحيِّ جمود الأرواح.

سماح بالحاج سعد من مواليد مدينة المنستير الساحلية بتونس تميزت منذ نعومة أظفارها بسرعة البديهة ودقة الفهم حيث كانت بين أقرانها مصباحا مضيئا وطريقا سالكا لمن أراد أن يتبين معلومة أو يستقي مفهوما , سطع نجمها مباشرة إبان دخولها للجامعة حين تخصصت في مجال الهندسة وبدت عليها جليا معالم الإبداع والتفوق في هذا المجال الرحب.

:أثناء حديثنا مع المهندسة سماح وهي تعود بالذاكرة لتلك الحقبة بدا عليها شيئ من الأسى والألم لما يقاسيه طلبة العلم من ضيق الإمكانيات وقلة الفرص.. واستطردت قائلة

في تلك الحقبة كنا طلابا متميزين وكنا ندرك مدى ضحالة الفرص أمام سقف طموحاتنا إلا أن صلابة الإرادة التي كانت فينا جعلتنا نتخطى حواجز قلة الإمكانيات المرصودة من الدولة في مجال البحث العلمي ونجعل لأنفسنا آفاقا ترقى لتطلعاتنا كشباب يسعى للتموقع في سوق العمل.

:واصلت المهندسة سماح قائلة

في مبادرة منا كطلاب كوّنا نادي المهندسين حيث كنا ننتمي كلنا للمدرسة الوطنية للمهندسين في تونس وكنا لا نترك تظاهرة أو مؤتمرا ولا ملتقى إلا وبذلنا الغالي والنفيس لنكون أول الحاضرين وفي إحدى الملتقيات كان لي موعد مع الدكتور “مختار العتيري” أحد مستشاري رئيس الجمهورية والذي كان أحد رجالات الدولة الذين كانوا يجلون العلم وطلبته ويؤمنون بضرورة فتح الآفاق للشباب.

هذا الملتقى كان بمثابة نقطة التحول بمسار حياتي بعد أن حرصت على توطيد العلاقة مع الأستاذ مختار العتيري وحدثته عن مصاعبنا وتحدياتنا وضرورة التواصل معنا لتوفير مناخ أفضل نظرا لكبر الرغبة الجامحة فينا للوصول إلى مستويات عُليا ومراتب أفضل ومنذ عودتنا إلى الكلية الأم أصبحت لنا تحركات تتسم بأكثر حرية مع جرعة زائدة في المبادرات وفرضها. الشيء الذي جعلنا نتواصل مع شركات رائدة في العالم على مستوى التصنيع والابتكار على غرار “بي أم دوبل في” الألمانية و “إير باس” و”سيمانس”  وغيرها من الشركات.

وكان لنا ما أردنا حيث قبلت شركة “سيمانس” طلبنا والذي يتمثل في تدريب من خلاله نطلع على خبرات متقدمة وننهل من تجربتهم خير معين في مسيرتنا العلمية كان هذا بإشراف الأستاذ “موريس” الذي اهتم بالمجموعة وتهيئتها لهكذا مشروع.

بعد عودتي إلى تونس بلغني أن الألمان تواصلوا مع المشرفين علينا وأرادوا مني الالتحاق بالأراضي الألمانية مجددا ولكن هذه المرة لا لأكون في إحدى الشركات الخاصة بل في الأكاديمية العسكرية الألمانية التي ارتأت ضرورة التحاقي بصفوفها.

في بادئ الأمر كان رفضي قطعيا ولم يخطر بخلدي يوما أن أفارق أرضي وأهلي ولكن إصرار الجامعة الألمانية كان كبيرا وبما أن تونس كانت لها تعاون متبادل مع ألمانيا في المجال العسكري والعلمي حثني أساتذتي على قبول العرض ولم أرى بُدّا للرفض حين علمت أنه في حالة قبولي العرض سينتفع أحد الشباب بمنحتي ليأخذ مكانا للدراسة في الجامعة. فتحرك الوازع الإنساني ودفعني للقبول في مرحلة أولى مع إجحاف الجهة الألمانية بالشروط حيث طلبت منحة مادية عالية وسكن وامتيازات مختلفة لإجبارهم على الرفض وبالتالي البقاء في   تونس لكن يبدو أن القدر كان يحاصرني من كل مكان.. وابتدأت الرحلة..

أستاذة سماح هل كان السفر في إطار المعاهدة بين تونس وألمانيا التي تنص على تبادل الخبرات العسكرية؟-

غالبا ما ترسل تونس إطارات عسكرية إلى ألمانيا للدراسة وكسب مهارات والتفوق في المجال العسكري خاصة أن ألمانيا تعتبر في الخطوط الأمامية من حيث التطوير والتصنيع  ولا سيما الخطط العسكرية وكل خفايا المجال. هذه الدراسات  بطبيعة الحال لها أمد محدد وإثر انتهائها يعود العسكريون لمزاولة نشاطاتهم في أرض الوطن إلا أنني كنت حالة خاصة حيث أصرت ألمانيا على إخراجي من هذا الإطار والعمل على تكويني والاستفادة من كفاءتي كمهندسة.

سيدتي أنت كذلك إلى جانب الهندسة تشغلين خطة مديرة المركز الثقافي العربي بميونخ أعتقد أننا في حاجة لتعريف الأستاذة سماح كيف تعرفين نفسك؟-

بطبيعة الحال أنا مهندسة وباحثة في المجال العلمي ومفكّرة وأعشق  اللغة العربية لأنها الأفضل والأرقى والأمّ.

ماهي دوافعك لتأسيس المركز الثقافي العربي؟-

معركة الهوية نخوضها في بلداننا الأم لنحافظ على لغتنا التي هي منبتنا وأصالتنا فمابالك بأبنائنا الذين ولدوا في المهجر وكم هم في حاجة أن تبقى علاقتهم بلغتهم الأم حية ومتجذرة في قلوبهم قبل ألسنتهم لهذا في المركز نعمل وفق برنامج بيداغوجي سليم يرتقي لتطلعات غير الناطقين باللغة العربية سواء كانوا من العرب أو من غير العرب وفي هذا السياق علي أن أشير أنّ إقبال الألمان خاصة على تعلم اللغة العربية يثير الفخر والاعتزاز كما يجعلك تطرح أسئلة من قبيل “هل أدركنا فعلا جمالية لغتنا”.. يكفيك أن تسمع زملائي المهندسين وهم يتحدثون عن أهمية الأرقام العربية باعتبار أصل تكنولوجيا المعلومات تقوم على الواحد والصفر.

ما سرّ هذا العشق لللّغة العربية بينما أخصائيو العلوم الحسابية والفيزيائية يميلون للرقم والنظريات العقلية لا للكلمة وعمقها؟-

لا أشاطرك الرأي باعتبار أن المهندس المصنع المخترع يعتمد في الأصل على الكلمة لإيصال المفاهيم والخلاصات وكم من طائرة سقطت وهي تحلّق لا بسبب عطب ولكن بسبب رسالة إمّا أرسلت بشكل خاطئ أو أنها معطوبة القراءة  ثم إني بفضل الله أتكلم أربع لغات بشكل جيد حيث مستواي اللغوي يخول لي استعمالها حتى في المجال التقني المعقد.

أستاذة سماح أرى أنكم مركزون على النشاطات الاجتماعية فهل تعتقدين بضرورة إحداث نقلة نوعية في صلب الجالية والانخراط في العمل السياسي في ألمانيا؟-

نعم نشاطاتنا الاجتماعية في تقدم وتطور والجالية تعمل على تطوير ذاتها والاستفادة من بعضها البعض والاقتراب خاصة  من مستوى النضج الثقافي والحضاري الذي يخول لنا فهما سليما لواقعنا وحسن التواصل مع الألمان وفي الوقت ذاته نرى أن الوقت قد حان لعملية استقراء عميقة لأفراد الجالية وانتقاء النخبة منها والوقوف على أرضية صلبة  تخول لنا فهم ما لنا وما علينا سياسيا بحيث يكون لنا برنامج كامل متكامل يستجيب لتطلعاتنا ويرتقي إلى ما نصبو لتحقيقه من أجل أبنائنا.

حوار مريم فريح

Comments are closed.