testata
Ad
Ad
شخصية الأسبوع

أمريكا : نسرين عيسى ..عندما تجتمع الأصالة العربية و روح الإسلام السمحاء في مرأة أمريكية

Google+ Pinterest LinkedIn Tumblr

قد لا تغنيك أي أرض غريبة عن الأرض التي شربت من آبارها وأكلت من ثمارها واحتواك دفئها وسرت في حنايا مدنها وحاراتها وأروقتها وكتبت يوما عن تاريخها.

 أقدار لو وُضِعت أمامك لتختارَ منها قدرك فلن تختار إلا ذاك الذي اختاره لك الله فتجد نفسك تطوي روايات وطنك وقراطيس ذاكرتك وتعبُر بها المسافات لتُشاركها أرضا أخرى غريبة عنك وأشخاصا لا تُشعرك ملامحهم إلا بالغربة.. ثم تكتشف بعد ذلك أن تلك الأرض الغريبة صارت تعرفك وتشعر بوطأة قدمك بل وتحفظ تفاصيل أثرك الذي وضعته فيها لتتحول كل أرض غريبة إلى أرضك بعد أن ذاقت طيب أثرك.. بصمات لفتت انتباهنا لشابة فلسطينية كان لها تموقع فكري على أرض أمريكا وفي قلوب المحيطين بها استطاعت من خلال حكمتها أن تجمع بين نسمات الشرق ورياح الغرب لتصنع من هذه الحكمة قدرة على امتصاص الأفكار الموروثة التقليدية التي روّج لها الإعلام عن الدين الإسلامي واتخذت من حساباتها على  السوشيل ميديا وسيلة نبيلة لهدف نبيل هو الدفاع عن دينها السمح بأسلوب سمح لتكسر فيديوهاتها التي جمعت بين اللغتين العربية والانقليزية وأسلوب حوارها بالجامعات والأماكن العامة حاجز العنصرية والتمييز الذي يأسر الكثيرين حولها.

 ولأنّك من تقرر نوع الأثر الذي ستتركه في روح ذاك الوطن وفي قلوب ساكنيه ولأن لكل إنسان أثر و وجود و وجوده لا يُغني عن الأثر ولكنّ أثره هو الذي حتما يدل على وجوده.

الجالية نيوز تعقبت أثر الشابة الفلسطينية نسرين عيسى في أمريكا وأجرت معها الحوار الآتي

-كيف يمكنني أن أعرّفك من هي نسرين عيسى؟

طالبة هندسة ميكانيكية فلسطينية بجامعة “بوردو يونيفرسيتي”  في منطقة “إنديانا” التابعة لشيكاغو عمري 25 سنة.. للأسف لم أذق حلاوة العيش في أرضي فلسطين التي هُجّر منها أجدادي في عام 1948 وعشت ثلث حياتي في الأردن. أنهيت العام الأخير من ثانويتي في أمريكا وكانت تلك أوّل سنة لي هناك وأصعبها فالانتقال إلى أرض جديدة وبيئة مختلفة ومحيط غريب عنك ليس بتلك السهولة فتقريبا كانت السنة الأولى كلّها بكاء ورغبة في العودة إلى الأردن.. لم يكن التأقلم أمرا هيّنا.

-هنالك ظروف تجبر الناس ليهاجروا من بلدهم إلى بلد آخر فماهي الظروف التي جعلتك تهاجرين إلى أمريكا؟

والدي متوفّي ورأت جدّتي أنّ حياتنا أنا وأمي وإخوتي ستكون أفضل في أمريكا خاصة على المستوى الدراسي والمهني والاجتماعي.. فأحلامك قد تبقى مجرد أحلام في الوطن العربي ولكن إذا هاجرت بسقف طموح عال فهناك أمل في تحقيقها وقد تجد الاحتواء الكافي لكفاءاتك..  أخذت أوراقنا عشر سنوات لتجهز وانتقلنا إلى أمريكا وكنت وقتها في عمر السابعة عشر وحصلت على الجنسية الأمريكية.

-نسرين هل لك أن تحدثيننا عن صعوبات الاندماج في المجتمع الأمريكي خاصة مع ظهور شبح الإسلاموفوبيا الذي يطارد المسلمين والمسلمات؟

في الحقيقة أنا أنحدر من عائلة ملتزمة أرتدي الحجاب وكذلك أختي ترتدي الحجاب ولكنني لم أتعرّض لمضايقات مباشرة كتلك التي نسمع عنها من شتائم أو اعتداءات بالضرب مثلا ولكنّي كنت أرى العنصرية في نظرات البعض فيمكنك أن تفهم أنّك منبوذ من نظرة غير مريحة.. في عامي الأول هناك سنة 2010 كنا لا نزال صغارا ولم أكن أفهم معنى الإسلاموفوبيا ولم أدخل بعد في دوامة العنصرية والتمييز.. كذلك كنت لا أتقن اللغة الانقليزية بشكل جيد لذلك كنت لا أفهم ما يقولون حولي في المدرسة.. ولكن بعد أن كبرت واندمجت في المجتمع الأمريكي صرت أفهم أكثر ما يحدث حولي وأميّز المعاملات والنظرات سواء كانت من أستاذ بالجامعة أو طالب أو بالأماكن العامة فبعد موجة العنصرية الأخيرة تفشّت الريبة والخوف في قلوب الجالية المسلمة وأنا واحدة منهم فمرّة خرجت أنا وعائلتي كان أهلي يسيرون في الأمام وأنا خلفهم كانت هنالك سيارة تبطئ السير وتسرع وكنت خائفة جدا حتى توقفت السيارة قربي وشارفت على البكاء من شدة الرعب من أن يطعنني أحدهم أو يتعرض لي بسوء فإذا بامرأة فتحت نافذة السيارة وقالت لي “حجابك جميل جدا”.. قالت هذه العبارة بالرغم من أنها لم ترى وجهي فقط رأت حجابي من الخلف كانت عبارتها ملئها الودّ والطمأنة وكأنها تقول لي “نحن لسنا ضدكم”.

المجتمع الأمريكي هو مجتمع منفتح على نفسه وليس على الغرب يعيش في حدود بيئته لا يعرف شيئا عن الإسلام إلا تلك المغالطات التي يأخذها من الإعلام ويتبناها وأنا لا ألومه على هذا ولكني ألوم الإعلام الذي يروج للإسلاموفوبيا..

.. أحاول دائما أن ألغي فكرة العنصرية من خلال التعامل بأخلاق وعدم ردّ الإساءة بإساءة.. كنت أطبّق مبدأ الإحسان.. حينما كنت أدرس في الثانوية كانت لديّ صديقة بالرّغم من أنّ عائلتها عنصرية إلا أنها كانت تعاملني بتودد وفكّرَت أيضا باعتناق الإسلام ولكنّها سرعان ما تراجعت بحكم سنّها وقلة وعيها وأيضا لم يكن لديها الحجج الكافية لتقتنع بمبادئ الإسلام.. عدد العرب ليس كبيرا هنا في “إنديانا” ولكن إذا خرجت إلى شيكاغو فتجد الآلاف منهم.. ستجد عربا مسلمون يعملون رجالا ونساء ومنهم أصحاب محلات ضخمة ومنهم من يعملون بوظائف مهمة.. في الحقيقة هنالك من تتحجج بأنّها لم تجد عملا بسبب حجابها وقد ساءني كثيرا نزع قرابة السبع نساء لحجابهن بسبب وظيفة أو خبر تلفزيوني لأني لا أرى الحجاب له علاقة بالوظيفة فيمكنك هنا العمل دون أن تتعرّض للمضايقة بسبب لباسك أو عقيدتك فالحصول على عمل ليس له صلة إلا بكفاءتك وقدرتك على تأدية واجبك وحتى إن تعرضت لمضايقة فيمكنك أن تقدم شكوى قضائية لتأخذ حقك

-هنالك مخاوف كبيرة في صفوف الجالية على خلفية التصريحات المتكررة للرئيس ترامب التي تهدد المهاجرين والجدل القائم بين الجمهوريين والديمقراطيين ماذا يجري في الشارع الأمريكي هل يمكنك أن تحدثينا عن ردود فعل الجالية هناك؟

نعم هنالك مخاوف كبيرة خاصة بعد آخر تصريح للرئيس ترامب تعيش الجالية زعزعة للثقة في البقاء على الأراضي الأمريكية فمثلا هنالك من تراجع عن السفر لقضاء بعض الشؤون أو زيارة العائلة خوفا من عدم القدرة على العودة حتى أولئك الذين يملكون الجنسية الأمريكية يخافون من عدم العودة ولكن ليس لدينا ما نفعله إزاء هذا إلا المظاهرات.. هنالك ردود فعل طيبة من قبل المجتمع المدني لمساندة المهاجرين فقد نظمت كنيسة “إنديانا” حملة وديّة الهدف منها إيصال رسالة مطمئنة للجالية للوقوف بجانبهم. . دخلنا مرّة السوبرماركت أنا وأهلي فإذا برجل أمريكي يتّجه نحونا ويقول لنا “نحن نحبّكم اعتبروا أنفسكم في بلدكم ونحن نريدكم هنا” ..

-كأحد أفراد الجالية ماذا يمكنها أن تقدّم نسرين من اقتراحات لحل مشاكل الاندماج هناك؟

أنا أشجّع الراغبين في الهجرة إلى أمريكا كبلد أجنبي يحفزك ويساعدك لتبلغ الارتقاء الاجتماعي والمهني والدراسي.. لا يمكنك أن تندمج وتتأقلم في سنة واحدة عليك أن تواجه العقبات وتتجاوزها.. أحبذ وجود جمعيات مثل تلك التي توجد بالجامعات والتي تساعد الطلاب لإطلاق فعاليات توعوية بالدين الإسلامي.. يوجد بالجامعات طلاب سعوديون وفلسطينيون يعملون على هذه الفعاليات.. كذلك هنالك نشاطات تعزز الترابط بين أفراد الجالية والأمريكيين.. منذ أسبوع قام عندنا المسجد بترتيب إفطار جماعي لكل الأجانب حيث تمّ إلقاء خطاب عن الإسلام وقراءة آيات من القرآن وبالتحديد من سورة مريم وقد لقي هذا تجاوبا كبيرا من الأجانب حتى أنهم يعتبرون هذا مناسبة ينتظرونها كل سنة.. على المستوى الشخصي أقوم ببادرة توعوية على السوشيل ميديا وتحديدا على حسابي على الانستقرام لأنّ هنالك فئة من المسلمين تتعرض للعنصرية.. هنالك من تعرض لتهديدات عن طريق الإيميل بسبب النشاطات التي قاموا بها بخصوص القضية الفلسطينية وقد شجعتني أمّي على هذه المبادرة.. كنت أحدثها أني أشتاق لتلك اللقاءات بالأردن والتي أتنبادل فيها أطراف الحديث مع زملائي عن الدين الإسلامي وأني صرت أشعر بمسؤولية أكبر بالجامعة وأنه قد حان دوري لأعطي الصورة الصحيحة عن الإسلام.. صورة الحب والألفة.. فقالت لي “أولئك الذين درسوك بالأردن كانوا يحضرونك لتكملي هذا بأمريكا” .. لذلك بدأت أسجل فيديوهات على الانستقرام يوما بعد يوم أروي خلاله في كل مرة قصة عن الإسلام وعن الصحابة وأترجم الفيديو كتابيا للغة الانكليزية وقد لقيت الفكرة تجاوبا جيدا من قبل الأصدقاء الأمريكيين على السوشيل ميديا.. أنا لا أروّج للإسلام ولكني أقوم بتصحيح المغالطات وأن الدين مرتبط بالحياة والحب والرأفة.. أتلقى الكثير من الأسئلة في الجامعة وهذا ما يزيد من شعوري بالمسؤولية لأن الأمر ليس سهلا.. كان هنالك طالب ملحد بالجامعة أعتبره من الملحدين الأذكياء كنت أتحدث معه بالجامعة بدأ حديثنا بخصوص دراسته وتخصص الفيزياء الذي يدرسه ثم بدأ يسألني في كل مرة عن شيء يتعلق بالإسلام وعن آيات قرآنية وكنت أجيبه بحسب ما أعلم وحين أعجز في شيء لا أعرفه أخبره أني سأبحث ثم أجيبه.. كما كان هو أيضا يجتهد بشكل جدي في البحث حتى قرر أن يعتنق الإسلام وهو الآن مسلم بعد أن اقتنع بمبادئ الإسلام..

يمكنك أن تعطي صورة صحيحة عن الإسلام دون الحاجة للكلام الكثير.. لم أكن أبادر بالحديث في هذا الشأن مع أحد كنت أترك مساحة الحرية للجميع وأجيب ما استطعت إذا وجه أحد لي سؤالا بشأن الإسلام.. لا يمكنك أن تجبر أحدا ليسمع عن دينك لأن هذا يثير الغضب في نفوس الناس.. التعامل بأخلاق وبحب هو ما يجعلك تلقى نفس الحب منهم.

حوار نسرين بكّارة

Comments are closed.