testata
Ad
Ad
Category

شخصية الأسبوع

Category

يبد أن الموت هو الحقيقة الوحيدة التي تغيب أمامها كل الفوارق العرقية ، القُطرية و الإجتماعية ليحضر مكانها مفهوم واحد أرقى وهو ” الإنسانية ”
تلك هي الصفة التي وجدناها في قصة ” شمس الدين مرزوق ” البحار التونسي من مدينة جرجيس الذي انتقل من عامل في مجال الصيد البحري إلى متطوع بالهلال الأحمر يدفن جثث الموتى التي لفظها البحر على شواطئ مدينته .

كانت البداية في سنة 2011 عندما شاهد بحكم عمله في البحر جثث أو أشلاء الغرقى ملقاة هنا وهناك على رمال الشاطئ لمهاجرين غير نظاميين متوجهين نحو أوروبا عبر قوارب الموت في مواضع تراجدية مؤلمة، ومشهد مأساوي محزن .

فما كان له إلا  أن يتحرك جمعياتيا ،إداريا وإنسانيا ليأخذ على عاتقه دفن هذه الجثث في مقبرة قريبة من الشاطئ أطلق عليها ” مقبرة الغرباء “.

وعن هذه المقبرة يروي ” شمس الدين ” أنها على ملك الدولة التونسية وقد أنشأت منذ سنة 2004 وتضم حوالي 300 غريق تم دفنه منهم 73 في سنة 2017 لوحدها وقد أطلق عليها إسم ” الغرباء ” لأنه ماعدى ” روزا ماري ” النيجرية فإن أغلب الموتى بها مجهولي الهوية والجنسية ناهيك على رفض سكان الجهة دفنهم بالمقابر الإسلامية التابعة لهم .

وتابع بالقول أن ” إجراءات دفنهم تبدأ عندما يعلم حرس البحرية السلط المحلية على وجود جثة على الشاطئ حتى يتحرك الحرس الترابي والحماية المدنية رفقته إلى عين المكان حيث معاينتها وغسلها بمياه البحر بصفة أولية ثم نقلها للمستشفى أين يتم التشخيص ، التطهير الفعلي ، إنجاز التقرير الطبي وإسناد عدد لإدراجها في السجل قبل الدفن .
وفِي نفس الوقت يعلم الحرس النيابة العمومية عبر ” الفاكس ” التي ترجع بدورها إذنا بالدفن بعد الإطلاع على ملف الجثة كاملا “

وهنا إسترجع شمس الدين أنفاسه وصمت برهة وكأنه يبحث عن الكلمات المعبرة عن حزنه العيق بداخله ليضيف ” إنهم مظلومين دفعهم البؤس وإنسداد الأمل بأوطانهم ….رجال ، نساء وأحيانا رضع أقوم بدفنهم … فعل أخلاقي و إنساني سأبقى على عهده ما حييت ”
ومن الشواهد المحزنة التي يذكرها وانهمرت لها دموعه يقول ” وجدنا جثة إمرأة وقد ربطت رضيعها بصدرها … قمت بدفنها ورضيعها بقبر واحد …لنتخيل كيف كانت تصارع الموت …”
” كما لا أن أنسى هول ذلك المشهد في ميناء ” الكتف ” أين إنتشرت 29 جثة من أصل 53 مهاجر سوري وسوداني على الشاطئ بينهم 3 نساء معهن رضع تم ربطهم بقطعة قماش على الخشب أو على ظهورهن “

شهادة شمس الدين وحركته النبيلة تجاه هذه الكارثة الإنسانية تعتبر دليلا قاطعا على إخفاق المجتمع الدولي في تحقيق التوازن الإجتماعي والأمني على هذه البسيطة . فظاهرة الهجرة الغير نظامية تعبر على الواقع المرير التي فرضته العولمة السياسية والإقتصادية تجاه الشعوب نتج عنه تفقير وإحباط دفعهم ” لهجرة الموت “.

وتشير كل الإحصائيات إلى أن هذه الظاهرة في تفاقم رغم المجهودات المبذولة دوليا للحد منها فالألف من الأفارقة ، السوريين ، سودانيين ، مصريين وحتى من المغرب العربي ينتظرون فرصة العبور على سواحل الضفة الجنوبية للمتوسط وخاصة عبر البوابة الليبية في إتجاه أوروبا .
إنتظارا يتحكم فيه تجار الموت عبر المزايدة ، الإنتهازية المالية وربما التمويه .
وحسب تقديرات ” منظمة الهجرة الدولية ” لسنة 2017 فإن هناك حوالي 156 ألف إستطاعوا الوصول إلى أوروبا في حين غرق أكثر من 3000 مهاجر في عرض البحر وهو رقم مفزع ومحزن في آن واحد .

مراد المولهي