testata
Ad
Ad
شخصية الأسبوع

للخذلان طعم آخر.. الكاتب “عبد الله الحزقي” يرثي نثرا الوطن العربي “حتى البحر استشاط ملوحة من دموع الغرقى عند احتضارهم”

Google+ Pinterest LinkedIn Tumblr

بنفس ثائرة يعيش وحيدا و يموت باكيا تصنعه المعاناة الشخصية و تصقله صرخات من حوله.. كُلّما عانى بلغ شيئا جديدا من كل معنى  واختار الكلمة موطنا له يلجأ إليه ويبكي فيه ويطبطب من خلاله على أوجاع المظلومين وبحّات المكلومين الذين قد يجدون بعض المواساة في الكلمات.. جمع بين جنون المبدعين و وعي العاقلين الذين قد يرهقهم هذا الوعي والفهم لحقيقة ما يجري حولهم في الأوطان العربية والعالم كافة فيلجئون للقلم كترياق للحقائق المضحكة المبكية.. ولا شكّ أنّ للكلمة الأثر العظيم في القلوب والعقول.. ولا شكّ أنّها ميثاق قد تحيا وقد تموت نفوس من أجلها.. وقد ترفع وقد تحطّ وقد تفسد وقد تصلح.. فكلّما زادت الكلمة بلاغة واقتربت من الحق كلما ارتفعت ورفعت وعاشت وإن مات قائلها.

عبد الله الحزقي.. كاتب ومدوّن تحمل كلماته بين ثناياها وطيّاتها معاناة المواطن العربي ومعركته اليومية في وطن تكادُ تُفقد فيه معاني الحياة الكريمة .. مذاقات مريرة للخذلان الذي ولد من رحم مضطهدة فيه كل الأحلام يجمعها عبد الله في رواية قاب قوسين أو أدنى من الصدور بعنوان “للخذلان طعم آخر”.. تعقبنا نحن الجالية نيوز قلم عبد الله وكان لنا معه الحوار الآتي

 

كيف ترى وضع المواطن العربي .. “الإنسان” في الوطن العربي ؟

ـ حيثما يمّمت وجهك كعربي اليوم ،إلّا و وجدت للوجع أكثر من قِبلة ..اختلفت القضايا في كل قطر عربي …و المعاناة واحدة ..و الوجع واحد ..عمّن سنتحدّث في ربوع الوطن الكبير الناطق بحرف الضّاد…بلغة مُلِئَت مفرداتها بأوجاع الشعوب…صرخات الثكالى في بلاد الشام و صيحات الجياع من أطفال اليمن و أنين المجاعة في الصومال و تأوّهات المعتقلين في زنازين العرب من مساجين الرأي..و فزعة الحقد الطائفي ببلاد الرافدين ..و كفاح الأمّهات والاطفال في الربع الفلسطيني بين نكسة السياسات الحكومية وبين حملات الاستيطان الصهيوني…عمّ سنتحدّث و عن أي وجع ؟ تصاعد الأزمة القومية لمشكلة الصحراء المغربية بين الحكومة وبين الريف المغربي…معاناة الشعب الليبي الذي يرزح تحت تناحر حكومتين كلاهما يتجاذب السلطة والنفوذ ويدّعي الشرعية….لاجئون سوريون يفرون من جحيم الحرب في المنطقة فتغلق السعودية أبوابها في وجوههم ،فيفرون الى الأردن فتغلق الحكومة حدودها في وجوههم بحجة الحفاظ على الأمن الداخلي واستقرار البلد ،بل و تعمل على ترحيل 400 لاجئ شهريا منذ 2017..في الوقت الذي أوت فيه تركيا اكثر من 3 مليون لاجئ سوري…كما بيّنت الأرقام الجديدة الصادرة عن المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي أن “ألمانيا” استقبلت 295 ألف لاجئ من أصل 406.000 لاجئ 2016 بينما استقبلت “السويد” 44.905 لاجئ سوري،في الوقت الذي قدمت فيه “بريطانيا” ايضا الحماية ل 1850 سوري كما تم اتخاذ 445.000 قرار إيجابي بشأن قضايا اللجوء في “ألمانيا” من أصل 710.000 طلب تم تقديمه في الاتحاد الأوروبي خلال عام 2016. هذا هو واقع الخيبة العربية بامتياز….فسيفساء رمادية من الوجع و المأساة و الخذلان…

ـ  كيف يعالج المواطن العربي اشكالاته اليوم؟

أمام هذا الكم من المآسي و المشاكل و الأزمات التي تطوّق حصارها على حياة المواطن العربي التي أصبحت من أكبر تحدياته و معاركه من أجل صياغة حياة يحاول أن يحقق فيها كرامته و ذاته و كينونته…بين عربي يناضل باختراع سبل الحياة و محاولة إيجاد البدائل من أجل بناء وطن أجمل بعيدا عن مبدأ التعويل على الحكومة ..أولئك الذين أيقنوا أنّ الحكومات العربية لا خير يرجى منها و أنّ الحياة عليك ان تصنعها بنفسك و كفاحك و أن تكرّس كل طاقاتك من أجل تحقيق ذلك …بينما يخوض البعض مسالك الإصلاح السياسي والخوض في معترك الحقوق و مطالب الكرامة و الوقوف في وجه الفساد من أجل المطالبة بحقوق شعب كامل و حقوق الأجيال التي سوف تأتي غدا و بعده…هؤلاء الذين يضعون مصائرهم على المحك …و في ضمائرهم ذلك الصراخ الذي تبلور في صيحة الحق..أولئك الذين يقولون ملئ اصواتهم : أخبروا الحكومات العربيّة… أخبروا الحكومات العربيّة أنّ الخيانة ليست في انتقاد سير عملها ومواطن الفساد فيها، إنما الخيانة ان تحوّل الحكومات الأوطان العربية الى منفى كبير و أن تحوّل قضية الهجرة منها قضيّةً برتبة حلم كل شاب و مواطن عربي … في السابق كانت إحدى آليات العقاب هي نفي المواطن خارج بلده..واليوم صارت إحدى أسوأ آليات العقاب هي منعه من السفر ، لأنهم يدركون جيدا أنهم قد حولوا له الوطن الى جحيم ..بحيث يكون الإبقاء فيه عقوبة في حد ذاتها.. أمّا أنا فكلما راودتني فكرة المنع عن السفر عجبت كيف سولت لهم أنفسهم أن يتعاملوا مع فكرة الوطن كإحدى آليات العقاب ؟! حوّلتم الوطن الى عقوبة؟! ألهذا الحد لا تعي الدول العربية مالذي تقترفه ! خيانة كبرى أن يتحوّل الوطن الى جحيم و المنفى الى حلم مفدّي بأرواح كل أولئك الذين ابتلعتهم بحار المتوسّط..” نحن الذين نقاوم لصناعة الحياة ،من أجل وطن أجمل،ثقوا أننا كما قيل : ” نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد.” بينما لا يرى البعض الآخر أي منفذ سوى الرحيل بلا عودة والبحث عن مرافئ بديلة قد تُحفظ فيها كرامة الإنسان…

 ـ هل أصبح البحر يقتات من لحم المواطن العربي الفار من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؟

 كما سبق و ذكرنا، حين عجزت الحكومات العربية عن إطعام شعوبها ، كانت بذلك أكثر كرما حين جادت بلحوم مواطنيها وشعبها لحيتان البحر المتوسّط…هذا الذي لم يعد كما قالت العرب “أنا البحر في أحشاءه الدر كامن” ، بل صيّرته مقبرة شاسعة لابتلاع ما تبقى من أحلام المواطن العربي الذي استنفد آخر آماله في العيش الكريم في بحار الموت ..هذا البحر المتوسّط الذي يزداد ملوحة في كل يوم ..بسبب آخر دموع الغرقى ساعة احتضار…أصبح للبحر ملوحة بطعم الضحايا ..ملح الحلم و ملح الأمل الكاذب و ملح الخيبة الوطنية والخذلان الحكومي ….كيف لا؟ كيف لا تزداد ملوحة البحر المتوسط بدموع العرب المخذولين و قد أعلن متحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في جنيف أن أكثر من 10 آلاف مهاجر سوري قضوا نحبهم في البحر غرقا منذ 2014 خلال محاولتهم الوصول الى أوروبا.. مئات الغرقى من ضحايا الهجرة الغير شرعية في تونس باتجاه شواطئ إيطاليا…مئات الغرقى الليبيين أيضا على إثر غرق قوارب الهجرة الغير شرعية باتجاه الساحل الأوروبي…والعدد في ازدياد..

 ـ كيف نفهم جدلية صناعة الحياة و صناعة الموت في آن؟

كلما حاولت الشعوب العربية صناعة الحياة أو إيجاد بدائل ممكنة لبناء متطلبات الحياة الكريمة، إلا و ازدادت الحكومات لها استنزافا بسبب تغوّل منظومات الفساد في السلك الحكومي ..بين سرقة و فساد و محسوبية وارتشاء و قهر و اعتقالات عشوائية ..الذين يهاجرون بشتى الطرق المتاحة يحاولون صناعة الحياة في بيئة تحفظ كرامة الانسان وقد يفقدون حياتهم في تلك الرحلة … فتتحول صناعة الحياة من مرحلة الأمل إلى مرحلة الكابوس فتستحيل بذلك مأتمًا….لأن طرق الأحلام ملغّمة بالخيبات…

ـ  إلى أي مدى نحن كشعوب متورطون في مصائرنا ؟ 

المسؤولية في واقع الشعوب العربية اليوم يمكن القول بأنها مسؤولية مشتركة..بين دور الحكومات في اضطهاد أحلام وطموحات شعوبها و محاربة الإبداع و اضطهادها  للحريات و انتهاكها لحقوق الانسان ..و رهانها في تهميش المنظومات الحيوية التي من شأنها أن تضع أو لبنات الحضارة لأي بلد ألا وهي العلم وبرامج التعليم السياسية الإعلامية وبرامج التربية..

هدم هذه المنظومة يؤدي الى ولادة أجيال غير قادرة على تحقيق الفارق الحضاري..أجيال لا تهتم بالعلم والمعرفة ولا ترى آفاقها في هذا الجانب حين ترى الكثيرين من النخب و اصحاب الأدمغة و الكفاءات تنهشهم مقابر البطالة والإهمال والإهانة والتهميش… أمّا الجانب المنوط بالشعوب هو تغذية هاجس الخوف و فزاعة العصا الحكومية حين يتهاون الشعب في المطالبة بحقوقه وحرياته …حين يغض الطرف عن سياسة الهرسلة والإقصاء و الاستنزاف و الفساد الوزاري والحكومي …الشعوب التي تخاف وترتعش، لا يمكنها ان تصنع حضارة ثابتة على الأرض بقوة …لأن الحكومات تستقي قوتها على حجم الخوف الذي يجتاح شعوبها…ولكنها تلتزم بخارطة الطريق السوي كلما كانت إرادة الشعب قوية و يقظة و واعية ….لكن مع ذلك يظل الإشكال معقدا على قدر بساطة الحلول والمعطيات النظرية لتجاوز الأزمة…لأننا نرى من خلال النموذج السوري والمصري أن محاولة الشعب لنيل كرامته أدى به إلى ملئ المقابر بجثث أبناء الشعب بسبب غضبة الطغيان الحكومي و عجرفة السلطة و هاجس النفوذ المطلق …ما أدى الى إحراقهم لأوطانهم وشعوبهم في سبيل عمى السلطة…

 

مالذي يمكن أن تقول لنا في علاقة بالخذلان في روايتك ؟ تمس أي نفس بشرية عربية ؟-

..  بالنسبة لروايتي “للخذلان طعم آخر” ، تناولت فيها رحلة المواطن العربي أمام معترك الحياة بمختلف تحدياتها و ألوان خيباتها و مآسيها و مفترق الصعوبات التي تطرح تحدياتها كالعوسج في طريق الحُفاة…الخذلان حين يولد داخل المنظومة المجتمعية ،فيضطهد مشاعرنا و عواطفنا و يضع جدارا عازلا بيننا وبين أولئك الذين أحببناهم …الخذلان حين يأتي من الوطن الذي يخون أحلامنا آخر المطاف ويتنكر لنا… الخذلان حين تكون بالمنفى ولكنك على الرغم من ذلك تتمكن من بناء ألف وطن في المنفى و بلاد المهجر، وطنا في الطرق و الأزقة التي اعتدت السير فيها، وطنا في قلب امرأة أجنبية أوَتك بكل قلبها ..و وطنا في وجوه العربيين هناك و في ابتسامة الأفارقة الذين تشم في بساطتهم جمال البسطاء الذين أنجبتهم الصحراء الممتدة من إفريقيا إلى بلاد المشرق العربي…و وطنا في كتاب عربي تقرؤه في بلاد أعجمية ….و وطنا في كرامة تبنيها لكيانك في بلاد المنفى ..حيث تكتشف أن قضية الانتماء أبعد من مفهوم التراب و الجغرافيا…انتماء الإنسان هو كرامته بالنهاية….

عبد الله الحزقي

حاوره صابر اليعقوبي

Comments are closed.