testata
Ad
Ad
شخصية الأسبوع

فرنسا : حمزة السماعلي.. تونسي يتحدّى العقبات ويرفض دور الضحيّة.. إذا أردت الثبات سترسم بنفسك طريقا للحياة

Google+ Pinterest LinkedIn Tumblr

الموت هو موت واحد، لكنه أصبح في زماننا موتان، موت  يقضيه رب السماء، وموت تقضيه حكومات الأرض، الموت الأول ارتقاء ورحمة، أما الثاني فهو إذلال وحسرة، فما أصعب أن يموت الإنسان وهو حي، وما أبشع أن  يُطعن المرء ألف مرة لكنه لا يموت، لكن أي هذه الطعنات أوجع وأي هذه المَيتات أفظع؟ ميتة التهميش أم ميتة البطالة؟ ميتة المحسوبية أم ميتة الفساد؟ ميتة التمييز الجهوي أم ميتة الرشاوي والوساطات؟ كلها مَيتات تقتل وتعذب لكنها لا تُميت فتُريح ولا تنتهي ولا تستريح،  فقط جعلت شبابنا من صنف الأموات الأحياء، شباب يفر من  الموت إلى الموت، من إذلال الأوطان إلى بطون الحيتان، شباب يخاطر ولا يبالي، يختار الاستماتة في البحار على أمل الوصول إلى مكان يحفظ الكرامة بدلا من موت بطيء أمام حكومات لا تسمع وحلولها لا تنفع.

لم يطرأ على حمزة شك في  أن الهجرة هي الحل، وأنه لا أمل إلا في الرحيل والتماس سبل النجاح في الشق الغربي من هذه الأرض، لقد كان حمزة محظوظا، وصل إلى فرنسا في رحلة سياحية، لم يصارع الأمواج ولم يواجه الحيتان ولم يبتلع المياه المالحة ولم يشاهد أصدقاءه يصرخون ويموتون أمامه، لكنه يواجه تحديات كبيرة ويخوض معارك ضارية في سبيل الاندماج مع المحافظة على قيم تربى عليها وعاهد الله ونفسه على أن لا يفرط فيها، لا يؤمن حمزة بمبدأ ميكيافلي الذي يقول “الغاية تبرر الوسيلة” بل يؤمن أنه لا فائدة من بلوغ أي غاية إذا كانت الوسيلة منافية لقيم الإنسان وأخلاقه,

:الجالية نيوز التقت بحمزة واستمعت إليه فكان الحوار الآتي

من هو حمزة السماعلي؟

حمزة شاب تونسي, تحديدا من منطقة الكبارية إحدى أحياء العاصمة  الشعبية ، متحصل على إجازة أساسية في الاعلامية من إحدي الجامعات التونسية وأبلغ من العمر 25 سنة ، مهاجر من بلدي ومقيم حاليا في العاصمة الفرنسية باريس وأعمل في مجال تخصصي الدراسي

 حمزة لو تحدثني كيف بدأت تفكر في الهجرة وعن الأسباب التي دفعتك لذلك؟

أنا شاب مفعم بالطموح, أحلامي ليس لها حدود وأحب المجال الذي تخصصت فيه في الجامعة وأحب أن أعمل وأحترف فيه, لكن لم أستطع تحقيق هذا في بلدي، حاولت مرارا وتكرارا الحصول على عمل في مجال الإعلامية لكن محاولاتي كلها باءت بالفشل و أصبحت محاطا بشبح البطالة وبدأت أشعر بالإحباط واليأس لأجدُني مضطرا عاملا في محل لبيع ملابس النساء في ضاحية من ضواحي تونس العاصمة، ليس عيبا أن يعمل الانسان في عمل ليس له صلة بتخصصه أولا يليق بمستواه العلمي و لا يتماشى مع قدراته ، فعلى الانسان أن يضحي في البدايات ويصبر حتى يُرزق عملا ينسجم معه، لكني وجدتُني أعمل دون جدوى ودون تحقيق أي نتيجة ، فلم أتقدم لا ماديا ولا مهنيا, فالمقابل المادي الذي كنت أتحصل عليه لا يكاد يلبي احتياجاتي الأساسية من ملبس ومشرب وطعام، يمكنني أن أقول أن الطموح والخصاصة وانسداد الأفق ببلدي كلها أسباب دفعتني للتفكير جديا في الهجرة.

حمزة مع ابن أخته يحيى في تونس

حمزة تحدثنا في الكواليس عن الطريقة التي هاجرت بها، فقد هاجرت معززا مكرما في طائرة كسائح قبل أن تقرر كسر الفيزا وعدم العودة إلى وطنك الأصلي تونس ، لو لم تُتح لك هذه الفرصة ، هل كنت ستجازف وتخاطر بحياتك وتهاجر عبر قوارب الموت؟ وهل تتفهم الشباب الذين يجازفون بحياتهم يوميا رغم غرق المئات ربما الآلاف منهم أسبوعيا؟

ربما أُجازف ربما لا، فقد كنت حريصا على تجنب هذه المجازفة الخطيرة، إن لم يكن لأجلي فلأجل أمي وأبي وعائلتي, فما أصعب وما أوجع أن تفقد أم فلذة كبدها أو أن يستقبل أب جثه ابنه معفنة ومأكولة من حيوانات البحر، فعلى المرء أن يحافظ على قوة إيمانه ولا يُقبل على هذه العملية الأقرب للانتحار من الهجرة ، لكن لو لم تُتح لي هذه الفرصة كنت سأبحث عن طرُق أخرى وكنت سأدق جميع الأبوات التي تمكنني من الوصول إلى أوروبا، ربما كنت أعمل ليلا نهارا كي أحصل على مبلغ يمكنني من الخروج أو ربما كنت سأحاول  الهجرة عن طريق الدراسة  أو غير ذلك، المهم كنت سأفعل كل شيء ما عدا ركوب قوارب الموت رغم تفهمي لإقبال الشباب على هذه المجازفة ، فمن حق كل شاب أن يحلم ، لم تعد أحلام الشباب التونسي الحصول على سيارة فخمة أو شراء فيلا مبهرة ، الشباب يهاجر اليوم بحثا عن الكرامة، الحد الأدنى من الكرامة أصبح مفقودا في أوطاننا ، الحكومات لا تقدم شيئا لهؤلاء الشباب ، حتى أبسط مقومات العيش البسيط أصبحت منعدمة ، فمن حق الشاب العربي أن يكون مثل الشاب الأوروبي الذي يُعامل كإنسان، هنا يحترمون الإنسان، هنا الجميع يعيش بكرامة، وقد أبهرني مؤخرا موقف يعبر عن مدى احترام هذه الحكومات لشعوبها، فبالرغم أني لست فرنسيا ولست مقيما بصفة شرعية إلا أنه وصلني صك يحتوي على قيمة مالية محترمة كتعويض عن الإضراب الذي قامت به شركة السكك الحديدية وعن التذمر والاستياء الذي ساد المواطنين، أحيانا في بلدنا يتوقف المترو عن العمل لمدة أيام ولا تسمع اعتذارا من أحد، علينا جميعا أن نعذر هؤلاء الشباب، حين يجد الشاب نفسه يتقدم في السن وعاجزا عن الزواج من حبيبته وعن تقديم العون لوالديه وعن مجاراة النسق التصاعدي في غلاء المعيشة وضعف المقدرة الشرائية مع غياب برامج حكومية اصلاحية قد تبعث ولو بالقليل من الأمل وتزرع بعض بذور التفاؤل فلا يحق لي ولنا جميعا إلا أن نعذرهم ونتفهمهم، فلا يجبرك على

الموت إلا موتٌ أبشع منه, هذه هي الجملة التي دائما يرددها أصدقائي وأبناء الحي الذي أقطن فيه في تونس الذين لا يملون من ركوب قوارب الموت أملا في الوصول  وقد تُوُفي كثير منهم غرقا.

لقد كنتَ في تونس فتى العائلة المدلل بما أنك آخر العنقود، وفجأة وجدت نفسك وحيدا بلا معينا ولا كافلا في بلد ومجتمع غريب عنك، حدثني كيف تعايشت مع هذا التغير الجذري وكيف واجهت صعوبات الأيام الأولى في الغُربة؟

آآآآه, يالها من أيام صعبة، كانت أياما صعبة جدا، يعجز اللسان عن التعبير عنها، فجأة وجدت نفسي وحيدا، في هذا الظرف يصبح همك الوحيد كيف ستجد مأوي تنام فيه وتقضي فيه بعض الأيام، فتقضي أسبوعا عند صديق وآخر عند أحد الأقارب و أياما أخرى عند أحد معارف العائلة وهكذا دواليك، فعلا إنها مواقف صعبة وأحيانا مُحرجة، فقد وجدت نفسي متنقلا بين ليون ومارسيليا وباريس ومدن أخرى باحثا عن المأوي والسكن المؤقت ، لم أجد عملا مناسبا في تلك الفترة فاضطررت للعمل في حظائر البناء، عملت منظفا وغسلت الصحون في المطاعم ورضيت بهذا الرزق الذي كتبه الله لي والحمد لله, ورغم أني وجدت نفسي مهددا بالجوع والتشرد في بعض الأحيان إلا أني وجدت من يساعدني سواء كان من الأقارب أو الجالية التونسية التي تعيش هنا، فالجالية هنا تساعد أبناءها والخير دائما موجود بفضل الله، وبقيت على هذه الحالة إلا أن استضافني أحد الأقارب في بيته وتقدمت إلى دورة تكوينية في وجدتُ على إثرها عملا في مجال الإعلامية.

بلغني أنك رفضت الارتباط بأكثر من فتاة في أكثر من مرة، لماذا رغم انك كنت قادرا على الحصول على الإقامة القانونية بمجرد الزواج من إحداهن؟

هذا صحيح، رفضت ذلك لعدة أسباب أهمها الجانب الديني، أغلب هؤلاء الفتيات الفرنسيات يُردن الجنس وأنا أخاف الله ودائما أُحاول تجنب الحرام ما استطعت، ثم أني لا أفكر في مصلحتي الشخصية فقط ، أرفض فكرة استغلال امرأة عاطفيا لمجرد الحصول على أوراق الاقامة، لا أريد أن أكون أنانيا، فهذا نوع من أنواع الظلم والظلم ظلُمات يوم القيامة كما تعلم، أفضل الجوع والتعب على أن أستغل امرأة لمجرد تحقيق مصلحة شخصية ، مثل أني أرفض أن يحصل هذا مع أختي أو ابنتي يوما ما فمن باب أولى أن لا أفعله أنا مع الأخريات وكما قال تعالى “إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين”.

كيف استطعت الحفاظ على نفسك في ظل تلك الصعوبات, فالخصاصة قد تُلقي بالمحتاج في مسالك غير شرعية على غرار عصابات المخدرات  مثلا أو  خلايا التطرف التي تعمل على استقطاب الشباب الذين في وضعيتك، هل تعرضت لهكذا إغراءات؟

نعم, لقد رصدتني شبكة تبيع المخدرات في حي من أحياء باريس، وكنت حينها لا أملك مبلغ رغيف خبز أسد به رمقي، لم يطلبوا مني بيع الحشيش، إنما طلبوا مني أن أكون “عينا” أي  أن أكون راصدا للشرطة للتغطية عليهم وإبلاغهم في حالة وجود دورية  وقد رفضت هذا طبعا ، كان بإمكاني بيع المخدرات في تونس لكن هذا سيجني مالا حراما، والحرام يبقى حراما في تونس أو في فرنسا أو في أي مكان من الأرض، وفي مناسبة أخرى جاءني عرض للمشاركة في سرقة الدراجات النارية باستعمال شاحنة فرفضت لنفس السبب، ورغم أني في أمس الحاجة للمال إلا أني سعيد بمحافظتي على نفسي وعلى قيم ديني و على كل المبادئ التي تربيت عليها، وبالنسبة للتطرف فأنا أمقت هذا الفكر وأعمل على مقاومته منذ كنت في تونس, بل أحاول في فرنسا أن أقدم صورة جيدة على الاسلام والمسلمين، وأحاول أن أبلغ الناس بأخلاقي ومعاملاتي الصورة الحقيقية لإسلام، الصورة التي شوهها الدواعش بجهلهم وانغماسهم في مخططات صهيونية تسعى لزعزعة استقرار أي منطقة آمنة في العالم.

حمزة في صورة مع زملائه في العمل في الشركة الفرنسية

هل تواجه عقبات في الاندماج والتعايش في فرنسا؟

في الحقيقة لا أجد عقبات في التعايش هنا وسأحدثك عن موقف نبيل جدا حصل لي مؤخرا، حين أنهيت عملي مع احدى الشركات المشهورة هنا، قاموا بتكريمي وكتب لي جميع الزملاء إهداءات ورسائل تذكارية تعبر عن مدى تسامحهم ومدى احترامهم لي رغم أني أجنبي ولم أسوي وضعيتي القانونية بعد، أشعروني أني ابن بلدهم وأني منهم وفيهم ورغم مغادرتي لذلك العمل إلا أن العلاقة الانسانية مع جميع العاملين متواصلة إلى اليوم وهذا شيء أثمنه في المجتمع الأوروبي الذي يغلب عليه الطيبة والتسامح رغم بعض صيحات العنصرية الني تُطلقها بعض الأبواق السياسية اليمينية بين الفينة والأخرى، كما أن الجالية هنا تقوم بدور فعال في سبيل إدماج القادمين الجدد وتأطيرهم ومساعدتهم على كافة المستويات، هناك لحمة كبيرة بين أفراد الجالية، قيم التضامن والتعاون والتآزر هي الطاغية وما عدا ذلك فحالات شاذة والشاذ يُؤخذ ولا يُقاس عليه.

كيف تنظر إلى المستقبل؟

أنا متفائل, أتمنى أن تُسوى وضعيتي قريبا وأتحصل على أوراق الإقامة، سأعمل بجهد كي أتمكن من إنجاز مشروعي الخاص والعودة إلى بلدي معززا مكرما، فمهما ابتعدنا عن أوطاننا إلا أن العيش لا يطيب إلا فيها وكما قال الشاعر

بلادي وإن جارت علي عزيزة … وأهلي وإن ضنوا علي كرام

هذا حوارنا مع حمزة، الشاب الذي اختار أن يتعفف في زمن الفتن، الشاب الذي يفضل الموت جوعا على أن يأكل لقمة حراما، الشاب الذي يفضل أن يُظلَم على أن يظلم، حمزة رفض التحدث في تفاصيل أخرى تواضعا منه، فرغم الظروف المادية الصعبة التي فرضتها الغربة خاصة في أيامها الأولى إلا أنه كان يتقاسم المبالغ المادية التي يتحصل عليها من دوامه في غسل الصحون والتنظيف مع أصدقائه و أقربائه في تونس، فجسده في باريس لكن عقله وقلبه في تونس مع إخوانه وأصدقائه الذين تقاسم معهم أجمل أيام حياته.

حوار: محمد بن عبد الله

Giornalista presso Jalyanews e Notiziegeopolitiche

Comments are closed.