testata
Ad
Ad
شخصية الأسبوع

“عباس باني حسن” فنان وباحث تشكيلي مزج فنون الشرق بالغرب فكان الإبداع

Google+ Pinterest LinkedIn Tumblr

كغيره من المهاجرين العراقيين الذين خرجوا قصرا من بلد الولادة والنشأة واستطاعوا أن ينحتوا الذات ويندمجون في المجتمع الغربي ويكونون سفراء في مجالاتهم يضيفون بل ويبدعون دون إنبتات أو تنصل من العمق الحضاري والقيمي الذي يحملون .

ذلك هو “عباس باني حسن ” فنان تشكيلي بالأساس وباحث في تاريخ الفن والنقد الفني …
متخرج من الجامعة العراقية للفنون التشكيلية أين تشبع بأبجديات ، أدوات وأساليب فنون الرسم على يد أساتذة مميزين .
كانت الفترة العراقية له فترة إنحباس إذ أنه اعتبرها ” منفى أو سجن داخلي ” فبعد تخرجه قضى قرابة ثلاث سنوات خدمة عسكرية ” مهينة ” أو ” قاتلة ” على حد تعبيره .
وبعد خروجه من العراق دخل في حالة عطالة فنية طيلة عشرة سنوات تقريبا حتى أنه ارتضى موقع الملاحظ أو ” المتذوق للفن التشكيلي ” واعتبرها كافية وطبيعية ولا ضير من ذلك .
لكن إحساسه الفني الدفين ومشاعره المكبوتة أبت إلا أن تنفجر لتشكل العالم كما يصوره وجدانه ورؤيته الفنية فكان الجمال وكان الإبداع من خلال مخرجات فنية غاية في التنوع والجمال .

وعن الفنان التشكيلي يقول ” باني حسن ” “إنه ذلك الطفل أو الهاوي الذي يلعب بالخطوط ، الألوان والأشكال ليظهر مشاعره و مواقفة تجاه القضايا والعالم ” بل أن الشخصية الفنية ” هي في حقيقة الأمر موهبة يتم صقلها شيئا فشيئا عبر تراكم المخرجات الفنية لتصنع الأسلوب الخاص أو الشخصي ”
كما يرى أن الفنان التشكيلي المعاصر أو المحترف لا يختلف من حيث التصور مع الفن الطفولي أو الهاوي فكليهما متحرر ، والتعبير لديهما مباشر وفردي ، وما الإختلاف إلا في اختيار الموضوع أو أسلوب العمل .
فحين يرى أنهما يختلفان جذريا مع فناني المجتمعات القديمة نسبيا والتي كانت محنّطة داخل البراديقم التي تنتمي إليه أي أن إشتغالها يكون عادة في النظرية ولنظرية …بمعنى أن الأعمال الفنية تخرج بمثابة ترجمة للمسطح القيمي ، الديني و الإديولوجي الذي ينتمي إليه الفنان .

ورغم انتمائه الشرقي أخلاقيا ، تربويا وحضاريا يرى ” باني حسن ” أن الفنان كوني أو لا يكون لأن الشرق غير معزول عن العالم بل هو جزء منه والمشاغل الإنسانية رغم اختلافها مجاليا فهي واحدة بينما التباين يبقى في اللغة وفِي الرمز وربما الأسلوب
المعتمد فلا ضير في دحرجة الوعي الجمعي الشرقي بكل تمظهراته الثقافية ، العلمية وحتى القيمية إلى الغرب وربما العالمية .

ويذكر ” باني حسن ” أن اشتغالة بالنحت كخيار كان في البداية عملية توجيه وإلحاح من قبل أساتذته إذ لم يكن يرغب في النحت بل  دخل في تردد وحزن طيلة شهر ونصف تقريبا . وفِي الأخير قرر تجربة هذا المجال الفني ، دراسته وتعلم تقنياته إيمانا منه أن الفن التشكيلي ميدان شمولي ينطوي بالإضافة إلى الرسم ، التلوين ، القرافيك إستعمال كل المواد الأولية المتاحة في عملية التشكيل .

والنحت إنما هو جزء من الفنون التشكيلية التي تعتمد المسطح كقاعدة أساسية في العمل الفني الذي يمكن أن يأخذ مواد وأشكال مختلفة ، فلا مانع من خوض التجربة وملامسة العمق الإبداعي فيه … ولو أنه يحبذ إدراجه ومناداته بفنان تشكيلي بما لهذه الصفة من شمولية كما ذكرنا آنفا .

وفِي ” فلورنسا ” مدينة الفنون الإيطالية التي قضى فيها صاحبنا حوالي السنتين واعتبرها بوابته نحو الاطلاع على الفن الأوروبي بما تحمله هذه المدينة من رمزية تاريخية للفن والثقافة ومنتدى الفنانين بالعالم .
أين ارتمى كغيره منبهرا ، دارسا ومتأملا في أحضان عصر “النهضة ” الإيطالية واعتبرها مرجع إبستيمي فني بل ومثالي لابد من الوقوف عليه والنهل منه .

ويبد أنه حاول من أمام باب ” متحف الأوفتسي ” محاكاة فنانين مثل ” مايكل أنجلو ” ، ” ليوناردو دافنشي ” في رسم لوحات و وجوه في الهواء الطلق تماما كما كان يفعل ” أنجلو ” ينقر على جدار المتحف ويتحدث مع زميل له .

خلال هذه الفترة استطاع أن يكون له جملة من العلاقات والأصدقاء على المستوى الفني ومن أهمهم ” جون بليشار ” الذي كان قرافيكي محترف ومبدع وله أعمال متنوعة وجيدة في مجال القرافيك على المعدن . تعلم منه ” باني حسن ” تقنيات العمل بهذا الفن لكن سحبها على مادة الخشب الذي أصبح هاجسه في البحث والتدريس بل أصبح مجال عمله الأول واختصاص يميزه عن غيره حتى أنه جعل من الصورة النهائية للعمل الفني حاظرة ذهنيا قبل تحقيق المنجز وأطلق على ذلك ” يوقا الفنان ” بمعنى أدق يسبق التصور العمل والتحقيق .

ويعتبر ” الخشب ” مادة ذات خطوط قاسية وصلبة صلابة الواقع العراقي الذي سكن وجدانه وعكست على أعماله الفنية وخاصة ما تجلى بمعرضه ” حصار ” الذي كان عبارة عن تصعيد ذاتي أو بحثا عن الذات والكينونة فكان المشهد قاسيا قساوة الخشب .

وفِي تعامله التقني مع قرافيكا الخشب إستطاع أن يلج عديد الحقبات أو الأنساق الفنية عبر التاريخ كما نقر على مسطحات مختلفة جعلته يتعمق أكثر فأكثر في المخزون الفني والفلسفي لكل منها .
ومن ذلك أعمالة في “الزخرفة الإسلامية ” بتقنية قرافيكا الخشب ، والزخرفة بالنسبة له نظرية علمية منفصلة بذاتها عن بقية الأشكال الفنية بل وأساس أي عمل فني ، هندسي ….

فكل الموجودات والإنجازات لا يمكنها أن تنجز خارج ” الزخرفة ” بما لها من خصوصية إبداعية .
ومن التعبيرات الفنية الإسلامية نجد مثلا ” المقرنصات ” كعمل فني غاية في الروعة والجمال .

جرب وأنجز كذلك أعمالا رائعة وجميلة منبثقة من الأسلوب الفني السومري الذي يعود إلى حوالي 5000 سنة خلت والرجوع إلى البدايات الأولى للفعل البشري حسب رأيه منهجية بل وإختيار أساسي لكل فنان يريد أن يبني له رصيد فكري ، ديني و فني متميز.

والفن السومري قائم أساسا على المنظور الشمولي للعالم إذ يأخذ شكل ” المكعب ” نقطة مركزية في كل تصور فني أو غيره فالعيون الأربعة للآلهة ” آنكي ” ( خالق الكون في الحضارة السومارية التي سيطرت ثقافيا على الشرق الأوسط حينذاك ) تنظر للإتجاهات الأربعة فكان الشكل الفني وخاصة النحت الجداري بارزا وذو نتوءات .

في المسطحات ، استعمل ” باني حسن ” الشبكة الحديدية كمسطح جديد في أعماله وخاصة في معرضه ” حصار ” وذلك في إطار مسار بحثه عن مسطح يعبر على نفسيته السجينة في مآسي العراق .

ثم انتبه الى أن ” المسلة ” يمكنها كذلك ان تكون سطح معبر خاصة في الموضوع الديني والجسدي ولها عمق جمالي يمكن إستغلاله لرسم كل الأفكار والقضايا التي تحرك سواكنه فكثف أعماله في هذا المجال وجعلها من أهم مكوناته الفنية .

على مستوى المواضيع والألوان ، كان ” الجسد ” محور أو بالأحرى مركز كل عمل فني فمن خلاله تخرج الملامح المعبرة على شعور الفنان ومواقفه من المشاغل الفكرية ، الاجتماعية وحتى القيمية…
ولو أنه يأكد على حضور مواضيع أخرى ذات أهمية في أعماله ك ” الحيوانات ” و ” النباتات ” في أشكالها الطبيعية أو الرمزية .

وكون انتماء الرجل إلى بيئة صحراوية فإن الألوان في رسومه تعكس إشعاع الشمس ونورها فكان اللون ” الأبيض ” وباقي الألوان الحارة والمضيئة أكثر الألوان وجودا بأعماله بما يحمله من شفافية ، صفاء وأمل في السلام ..

ومجمل القول ، ” عباس باني حسن ” هو في الحقيقة أنموذج متميز عن الفنانين المعاصرين فقد عمل على جمع التقنيات والمشاهد الغربية وترويضها أو تطويعها لتبلور مخزونه الثقافي والنفسي ذات البعد الشرقي وبالتالي قام بتحطيم ما يسمى ” صدام الحضارات ” لصالح تجانسها أو تفاعلها .

مراد المولهي

Comments are closed.