هي الإرادة التي يُصرّ صاحبها أن يقتل بها جميع أماكن الضعف فيه ليخرج من اليأس القاتل إلى الحياة التي أرادها هو.. وطريق النجاح الذي حلم به وصوّره له خياله في أبهى حلة من الجمال ليقف صاحبه على ناصيته ويجعل منه حقيقة.
قد تولد الإرادة من رحم محن كثيرة ومختلفة حسب حياة صاحبها وظروفه الخاصة. ولكنّ هذه الإرادة يختلف طعمها ولونها حين تخرج مشتعلة من قلب الحرب البشع المدمّر لكل الأحلام والطموحات والفرحة.. تلك القاتلة لمعاني الحياة بكلّ صورها.. ما أبشعها.. انتزعت عنوةً من كلّ حالم حلمه..
ولكنّها بكل طفولتها التي ملئت قلبها في سنّ السادسة عشر أبت أن تتخلّى.. وبنفس عنوة الحرب أخرجت أحلامها من تحت أنقاض العراق وحملتها بين يديها كإحدى ألعاب الطفولة وسارت بها بخطوات خائفة باكية نحو المجهول تُعربدُ الأصوات بداخلها قائلة “إمّا أن أصل أو أن أصل”..
ريام شهاب المرأة العراقية ابنة التاسعة والعشرون ربيعا تفرّ من هول الحروب بالعراق وشمسها القائضة إلى سلام النرويج باحثة عن أمان في سنّ السادسة عشرة.. شقت طريق اللجوء وحيدة بلا عائلة بلا سند يحملها قلب الطفلة الصغير.. كابدت رحلة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنّها قاسية.. استطاعت بقلبها الصادق وعزيمتها التي لم تنطفئ أن تصل إلى برّ النجاح والتألق المشرّف وكسبت الرّهان مع نفسها أوّلا.. لتقف اليوم بشموخها الأنثوي الراقي حائزة وبكلّ استحقاق على لقب أول امرأة عربيّة تقود أطول باص بالنرويج.. يشاركها هذا اللقب وهذا النجاح عائلتها الصغيرة التي اكتملت الفرحة بها وكلّ امرأة رأت في ريام قدوة.. وكان لنا نحن الجالية نيوز نصيبا من مشاركة هذه الفرحة وكان لنا مع ريام الحوار التالي
أي طفلة كانت تلك التي تركت أرض العراق في سن السادسة عشر؟-
ريام الطفلة.. التي لا تعرف من الحياة سوى بلد لا تتوفر فيه أبسط مقوّمات العيش الكريم من ماء وكهرباء وأمن واستقرار.. لكنها على الرغم من هذا مفعمة بالأمل والصبر والإرادة والمثابرة.. قررت الرحيل لتبعث رسالة إلى عالم أجمع بأن المرأة العربية قوية وقادرة على تحقيق أحلامها لتقول “نعم أستطيع وأستحق وبجدارة” في حين يرمي المجبطون ب”لا ..لا تستطيعين”.
من شمس العراق الحارقة وحربها الدامية إلى غيوم النرويج الباردة وسلمها المتجذر.. أي إضافة كانت لهذه النقلة على المستوى الشخصي؟-
أضافت هذه النقلة الكثير بالنسبة لي.. فمنذ وصولي وأنا أشعر بأن بلدي الجديد أكثر دعما للمرأة لا يفرق بين الرجل والمرأة في الحقوق الواجبات.. فكلاهما يعمل ويدرس ويشق طريقه بدون قيود.. كان يوم وصولي إلى النرويج نقطة الانطلاق نحو الحلم.. فبدأت به ولم أتوقف حتى نلته والحمد لله
– بدأتِ مرحلة الإبداع والتميز يوم مسكتِ مقود أطول باصٍ بالنرويج كأول امرأة عربية.. أي إحساس كان يدفعكِ ؟ وما نوع النظرات الموجهة لكِ إذا أخذنا بعين الاعتبار حجابكِ الغير مألوف؟
إحساس عظيم فعلا.. ماهو شعورك عندما ترى حلم حياتك يتحقق أمامك؟ كنت أشعر بأني بدأت أقطف ثمار تعبي الذي طالما كابدتُ وصبرت لكي أناله.. وها أنا ذا أعيش لحظات المزارع الذي بدأ يحصد نباته بعد زمن طويل من التعب والصبر..
أما عن نظرات المجتمع فبعضها معجب وبعضها متفاجئ وبعضها الآخر ناقد.. أمّا المعجب فهمو معجب بمحافظتي على حجابي والتزامي بمبادئي الإسلامية والعربية وهذا النوع من النظرات كان من مواطني بلدي الثاني النرويج.. أمّا النظرة المتفاجئة فكانت تقول “كيف لأنثى ترتدي الحجاب وتعمل عملا كهذا؟ حتما لولا دعم ومساندة زوجها لما استطاعت ذلك”.. أمّا النظرة الناقدة وكانت غالبيتها من المواطنين الشرقيين وبالأخص المواطنين العرب.. كانت نظرة ساخرة لا تعرف أنّ الإسلام لا يحرّم العمل على المرأة وأنه يشجعها وشرف للمرأة أن تساعد زوجها.
.قبلت التحدي وكسبت الرّهان.. كلمة في حق المرأة العراقية التي كابدت حروبا أرادتها الرجال ثم كلمة للمرأة العربية اللاجئة التي تبحث عن حق الحياة–
اقول للمرأة العربية ألقِي قيود المجتمع جانبا وانطلقي نحو أهدافك.. لا تدعي البيئة تحطّم أحلامك لأسباب غير منطقية.
اما المرأة العراقية الصبورة المكافحة التي عانت ما عانت أقول لها كوني أنتِ ودعي المجتمع.. حققي أحلامك لأنها تستحق.. وأنتِ تستحقين أكثر.. تحية وقبلة على جباه كل الأمهات العراقيات من أعلى نقطة في شمال العراق الى أبعد نقطة في جنوبه.
حوار نسرين بكّارة
Comments are closed.