testata
Ad
Ad
اخبار الجالية

دراسة حول الحجر الصحي وأثره النفسي على الفرد والمجموعة

Google+ Pinterest LinkedIn Tumblr


الفيروس التاجي ، وباء الكورونا المستجد او ببساطة الكورونا ، جائحة عزلت الفرد الذي بدوره بعيد عن أهله وعزلت الأزواج عن بقية العائلة وعزلت العائلة عن إرتباطها المجتمعي أو القبلي حتى وصل الأمر إلى فصل المدن عن بعضها والدول عن بقية العالم.

يعتبر الخوف من الإصابة بالعدوى هو الهاجس الأول لكن الحجر مع حظر الجولان الجزئي او الكلي  قد تكون له آثار خطيرة على  نفسية على الفرد والمجتمع خاصة إذا إقترن ببطالة فجئية أو منع من الإرتزاق في حالة الفئات الهشة

فما هي الأثار النفسية للحجر الصحي على الفرد وعلى العائلة والمجتمع؟ وهل هناك عواقب على الإنتاجية la productivité  الإقتصادية وعلى الروابط المجتمعية في المستقبل؟

 الطبيب النفسي والمحلل النفسي سيرج تيسيرون ( مختص في التحليل النفسي وعضو أكاديمية التكنولوجيات وأستاذ بثلاث جامعات فرنسية ) قام بمحاولة تحليل تأثيرات الحجر حيث أكّد أوّلا أن البشر اجتماعيون بالأساس وهم في حاجة للتفاعل مع غيرهم وسوف نكتشف مدى أهمية معاملاتنا غير الرسمية  مثل التخاطب مع الغير أو تناول الطعام مع الأصدقاء  في حياتنا عندما نحرم من ذلك، ثانيا أن الحجر الصحي سيؤثر على حركة الإنسان  والجسد عموما،  فالقدرة على التحرك والقدرة على الكلام شيئان سيفتقدهما البشر كثيرًا وقد يجد صعوبة بالغة في التأقلم بالشعور بالوحدة ،

العديد من المختصين تسائلوا هل يعتبر هذا الإجراء حرمان من الحرية؟

بلا شك هو حرمان من الحرية ، فالحركة والتنقل حق من الحقوق الأساسية والدستورية التي يسعى إليها عديد الأشخاص حتى أن البعض يرتكز عمله على الحركة والتنقل بل هناك من  جعل من السفر هواية قائمة الذات  ، وفي حالة تقييد هذه الحركة جزئيا أو كليا يستفحل القلق والإكتئاب إلى جانب ذلك ، فإن كلمة الحجر نفسها تثير الخوف والهلع وهو مايفسر “هروب ” البعض من الحجر الذاتي عند عودتهم من  بلد موبوء.  

هذه الحالة النفسية تحيلنا على سؤال مهم : هل يمكن إقناع النفس بالحجر الذاتي دون تدخل السلطة ؟  

المسألة بما أنها تهم الأمن الصحي لم تعد طوعية إذا تفرض الدول خطايا مالية ( مثال فرنسا 200 أورو ) أو بالسجن ( مثال تونس ومصر ) بالإضافة إلى دوريات للجيش والشرطة في الشوارع مثل إيطاليا وبالتالي يصبح الناس مٌلزمين بالتقيّد بالحجر بقوة القانون.

مايثير الإنتباه في حالات مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا أن غالبية هذه الشعوب غير منظبطة وعاطفية وربما تلك نقطة الإلتقاء مع الشعوب المغاربية لكن بخلفيات مختلفة ، ففي حين إستفحل الوباء في أوروبا على قاعدة “لن يحصل إلا للآخر ” ça n’arrive qu’aux autres  ، يزداد العدد في دول شمال إفريقيا على قاعدة ” ربي يستر” و”كل شيء بقدرة ربي “.

المؤسف أن شعوب الدول الأوروبية الثلاثة إستفاقت على نتيجة أن الوباء قد يطال الجميع وليس فقط الآخر بينما تناست شعوب المغرب العربي حكمة عمر إبن الخطاب (رضي الله عنه) عندما اٌتهم بالهروب من الطاعون فأجابهم “نفرّ من قدر الله إلى قدر الله”.

الشعوب عاطفية ومنفلتة وغير عقلانية في وعيها الجماعي  لكن إحصائيات الوباء اليومية تفرض بسرعة رهيبة تغيير الشعوب لعاداتها وقد نرى في قادم الأيام كيف طبعت هذه الازمة طبيعة الفرد والجماعة  وحتى طريقة إدراة الزمان والمكان

منظمة الصحة العالمية لم تغفل عن تأثيرات الحجر الصحي فأقرّت خمس توصيات لتحسين ظروف الحجر في زمن كورونا ولتحسين الصحة العقلية لمن يعيشون هذه الظروف الطارئة وغير المعتادة

وفي نفس الإطار قال موقع أل سي إي الفرنسي إن إجراءات تقييد حركة السكان للحد من انتشار فيروس كورونا في فرنسا قد تستمر 15 يوما على الأقل، إذا سارت على النموذج الصيني أو الإيطالي، مما يعني بقاء الشخص أسابيع في المنزل، وربما بعيدا عن أحبائه، وفي حالة بطالة جزئية، وقد يتسرب إليه الملل والقلق بسرعة.

وتتوقع المؤسسات الصحية أن تكون لهذه التدابير عواقب نفسية كبيرة على المواطنين، ولذلك يقدم الموقع ترجمة لتوصيات منظمة الصحة العالمية أعدتها أستريد شيفانس، الطبيبة النفسية وطالبة دكتوراة في علم الأوبئة في باريس.

التوصية الأولى : تبادل الرعاية والتواصل :

دعت المنظمة السكان إلى تبادل الحماية والدعم والتضامن قبل كل شيء، لا سيما من خلال عرض وتقديم أرقام هواتفهم إلى جيرانهم وإلى الأشخاص الذين قد يحتاجون إلى مساعدة إضافية، وحثتهم على “تبادل قصص إيجابية باعثة للأمل عن الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد-19”.

وقال الموقع إن المنظمة تحث عموما على ضرورة “التواصل مع الآخرين” حتى تجاوز هذه الأزمة، وخاصة مع الأحباء وكبار السن أو الأشخاص المعزولين الذين يجب ألا يظلوا من دون روابط اجتماعية خلال هذه اللحظة الشديدة من التوتر.

وتحذر شيفانس من أن “كبار السن الذين يعانون في بعض الأحيان من مشاكل معرفية، قد يكونون أكثر توترا أو عدوانية. ويجب التأكد من أن لديهم الأدوية اللازمة”.

ودعت الطبيبة النفسية إلى تجنب تناول الكحوليات والعقاقير ذات التأثير النفسي لأن “تلك الإستراتيجيات قد تبدو مريحة وقتيا للحد من التوتر، لكنها كارثية على المدى الطويل”، لأن النشوة التي تسببها هذه المواد عادة ما تفسح المجال لهبوط ليس من السهل تجاوزه، خاصة بالنسبة لمن لا تمكنه مغادرة المنزل، وبالتالي من الأفضل التركيز على الحوار والاسترخاء من أجل الحد من القلق.

التوصية الثانية : الحفاظ على روتين يومي

وتشير توصيات منظمة الصحة العالمية إلى أنه على المرء في حالة الحجر “محاولة الحفاظ على روتين قريب من الروتين المعتاد”، كالنهوض مبكرا وارتداء الملابس وتناول الطعام في أوقات محددة ودون إفراط، مع تجنب تناول الوجبات الخفيفة طوال اليوم، لأن زيادة حصص الطعام لن تكون صحية مع انخفاض النشاط بسبب البقاء في المنزل.

وتصر شيفانس بشكل خاص على أهمية “عدم تغيير دورة النوم والاستيقاظ”، رغم الإغراء الذي قد يحصل، وأكدت أن عدم وجود التزامات في الصباح لا يعني أن نبقى مستيقظين حتى الفجر، ودعت إلى النهوض مبكرا وفتح النوافذ لإدخال أكبر قدر ممكن من الضوء إلى المنزل والحفاظ على النشاط البدني الأساسي، حتى لو كان في الداخل، لأن “البقاء على السرير ليلا ونهارا قد يؤدي إلى اضطرابات النوم أو تفاقمها”. 

وأضافت الطبيبة النفسية “أن الأطفال روتينيون بشكل خاص، وقد يكون الحجر مربكا للغاية بالنسبة لهم. لذلك لا بد أن يوضع لهم جدول يشمل حصصا دراسية وأنشطة إبداعية وأوقاتا للعب مع بقية العائلة وأوقاتا أخرى للراحة، أي أن “عليك أن ترتب شيئا يشبه حياتهم اليومية، وأن تخترع روتينا جديدا بحيث يستيقظون وهم يعرفون إلى حد ما ما ينتظرهم خلال النهار وفي اليوم التالي”. 

التوصية الثالثة : الاستماع للأطفال

وتقول شيفانس اعتمادا على توصيات منظمة الصحة العالمية، إن “الأطفال غالبا ما يبحثون في أوقات التوتر والأزمات، عن المزيد من المودة ويطلبون المزيد من والديهم، وقد يتشبثون بهم أكثر من اللازم لعدم قدرتهم على التعبير عن التوتر. ولإزالة مخاوفهم لا بد من التحدث عن الوباء بصدق وبمفردات مناسبة لأعمارهم”.

وقالت الطبيبة إنه ليس المهم إزالة مخاوف الأطفال بل “فهم ما يزعجهم، لأن مخاوفهم ليست دائما مخاوف البالغين”، فقد يشعر طفل عمره ثلاث سنوات بالحزن لرؤية متجر اللعب مغلقا، وقد يخشى طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات أن يموت أصدقاؤه بسبب الوباء.

وأفضل حل -كما تقول التوصيات- هو التحدث عما يزعجهم واقترح حلول كالاتصال بالأصدقاء والأقارب الذين يهتمون بهم على سبيل المثال، مع تجنب فصل الأطفال عن أولئك الذين يعتنون بهم عادة، أو الاتصال الدائم بهم إذا كان فترة الانفصال طويلة.

التوصية الرابعة : لا تتخم نفسك بالمعلومات

وتدعو إحدى توصيات منظمة الصحة العالمية إلى “تقليل الوقت الذي يقضيه الشخص في الاستماع أو مشاهدة أو قراءة المعلومات التي تجعله يشعر بالقلق والتوتر”، كما يفضل البحث عن معلومات “عملية” على المواقع الرسمية للسلطات الوطنية أو الهيئات الدولية “لتنظيم الوضع وحماية النفس والأحباب”.

تقول شيفانس “إن التسمر أمام التلفاز لا يساعد في شيء إن لم يكن مثارا للقلق”، مشيرة إلى أنه من الأفضل الاكتفاء “بتحديث المعلومات لفترة أو اثنتين خلال اليوم”، وذلك لتجنب الشائعات والأخبار الزائفة، خاصة أن “معرفة الحقائق يمكن أن تساعد في تقليل الخوف ولكن التدفق المستمر للمعلومات يمكن أن يزعج أي شخص” حسب توصيات المنظمة.

التوصية الخامسة : تغيير نظرتك إلى الفيروس

وقال الموقع إن منظمة الصحة العالمية كرست الفقرتين الأوليين من توصياتها بشأن الصحة العقلية، للتحيز والأفكار الضارة التي تتهم الأشخاص المصابين بالفيروس بالمسؤولية عن الوباء.

وقالت المنظمة إن كوفيد-19 انتشر في العديد من البلدان، ​​ولا علاقة لذلك بالعرق أو الجنسية، ودعت إلى التعاطف مع كل المتضررين في أي بلد كانوا، مشيرة إلى أن “الأشخاص المتضررين من الوباء لم يرتكبوا أي خطأ وهم بحاجة إلى دعمنا وتعاطفنا ولطفنا”.

وختمت شيفانس بأنه “من طبيعة البشر أن يبحثوا عن مذنب يحملونه المسؤولية وأن يلقوا اللوم على دول وثقافات أخرى”، مشيرة إلى أنه “من الأفضل أن يبذل الجهد في احترام التعليمات ومحاربة الفيروس”، لأن الفيروس “ليست له نية محددة، فهو يضرب الجميع ولا يهتم بالحدود”.

واعترضت منظمة الصحة العالمية عن التحدث عن المرضى باعتبارهم “حالات كورونا” أو “أسرة كورونا “، مما يؤدي إلى وصمهم وسلب إنسانيتهم، بل أوصت بالتحدث عنهم كأناس فقط، لأنه من المهم فصل الإنسان عن المرض.   

ولئن قدمت منظمة الصحة العالمية توصياتها “الأولية ” لمشاكل الحجر إلاّ أن جميع المتابعين يجمعون على أن نتائج الكورونا ستكون متواصلة في الزمان والمكان.

فهل سيكون هناك قبل وبعد وباء الكورونا ؟

بالتأكيد وجه العالم لن يكون كما كان قبل الكورونا ، فالوقفة التأملية ستكون جماعية ، مراجعة لكل المنظومة الدولية والقطرية وأشكال التعاون بين الدول ومحاسبة داخلية لكل أسباب ونتائج الوباء

قد يصبح الفرد أكثر إنضباطا وإنسجاما بل قد تصبح النجاة من الكورونا عنوان إعتراف بالجميل للمجموعة التي “ألزمته ” بالحجر للحفاظ على حياته ، المجال الصحي والرقمي سيصبح عنوان النجاة ، ستعود سطوة العلم والمعرفة في إطار روحي وعقدي خاص ومرتبط بالنجاة من الوباء

سيكون من الصعب اللامبالاة بالخطاب الرسمي ، لكن من ناحية أخرى الكورونا فضحت عيوب مجتماعتنا الأنانية ، فالناس قد أدركوا وبالدليل أيضًا أن مجتمعاتنا هشة وأن الفرد أضعف حلقة وقد نرى هجرة خارج المدن العمودية المتحكمة في ذواتنا وربما للهروب من هواجس الحجر الصحي في قادم الأيام.

ماهو دور الدولة حاليا ؟

بالرجوع إلى دراسات المختصين وتوصيات منظمة الصحة العالمية فإن إنشاء خلية نفسية ضروري ومؤكد لأننا نتذكر مابعد 11 سبتمبر في الولايات المتحدة وماسببته الصدمة للفرد والمجموعة ،الفرق الوحيد أن الجهة مجهولة والفاعل لامرئي لذلك قد نرى مستقبلا إتهامات متبادلة ، المجموعة تتهم الفرد بل وتلاحقه وتبلغ عنه في حالات خرق الحجر الذاتي والفرد يتهم المجموعة في عدم مبالاتها وإهتمامها به أو بأحد من عائلته ، إضافة إلى إتهام الفئات الهشة للدولة ودورها الإجتماعي ، كل هذا دون نسيان الإتهامات لجهات مسؤولة أو لخصوم سياسين  أو ركوب على الأحداث وإستغلال الأوضاع بدون مراعاة الحالة النفسية الجماعية .

الملاحظ هنا أنه بالرغم من عدم وجود قصد خبيث وراء أغلب حالات العدوى  لكن هناك شكل من الفوضى، فوضى عدم الثقة في الدولة والتمرد المتواصل زمانا ومكانا ، فوضى الوضع الصحي ، فوضى سياسية وفوضى إدارة الأزمة ، فوضى العلاقات العاطفية الهشة وفوضى العقل الناقل والمستولى عليه من فراغ فكري ومعرفي تتعدد اسبابه : تاريخية ، سياسية ، إقتصادية ،إعلامية ،تربوية (مثال تقليد أشكال التضامن زمن الحجز الصحي)

زد على ذلك النتائج السلبية للحجر على العلاقات بين الأزواج من ناحية والتي كشفت هشاشة الروابط الأسرية والعاطفية  فمثلا في الصين ، ارتفع عدد قضايا الطلاق بشكل ملفت منذ نهاية الحجر الصحي ومن ناحية أخرى فشل تربية الأطفال والعناية بهم وإنقطاعهم فترة طويلة عن التعليم.

وعليه  يجب الرجوع إلى ثوابت العقد الإجتماعي وإعطاء النخب الحقيقية مكانتها لوضع إستراتيجيات تقطع مع ريادة أشباه النخب ( نخب المستشهرين ونسب المشاهدة) التي ثبت فشلها وعجزها عن إيجاد الحلول للمشاكل المصيرية.

ويجب تعبئة الأطباء النفسيين وعلماء النفس لإحداث خلايا بحث ومتابعة تحت سلطة إشراف  ولما لا إدراج خطوط مباشرة لمساعدة الأزواج والعائلات على مواجهة الأضرار النفسية المنجرة عن الحجر والوباء كإنكار الواقع أو ربما الخوف المفرط من الوباء أو الإستهتار المطلق .

أخيرا يجب على الدولة التونسية (كذات إعتبارية تحتوي كل الذوات داخلها) ، قبل أن تهتم بمن ينكروا حالتهم الصحية وبمن يعانون أضرار نفسية للكورونا ، أن تقف وقفة تأمل مع نفسها لأن أسباب الكورونا قبل أن تكون حرب بيولوجية أو مؤامرة كونية هي حالة تراكمات خطيرة حان وقت إصلاحها قبل فوات الأوان.

أستاذ في القانون والعلوم السياسية مختص في العدالة الإنتقالية ناشط حقوقي مراسل وكاتب صحفي Maitre en sciences juridiques & politiques Expert en justice transitionnelle Militant- Activiste de la société civile correspondant /écrivain journaliste

Comments are closed.